خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
اصناف
وقد افتتح المسيو «سلفستر دوساسي» هذه الترجمة بمقدمة عن ألف ليلة ومنشئه، ولكنه لم يخبرنا هو ولا المترجم عن منشأ المخطوط الذي ترجم عنه.
وترجمة «الكابتن بورتون» الإنجليزية وهي مثال للدقة والتحقيق، ولجهلي اللغة الإنجليزية لم أكلف نفسي البحث عن نسخة منها لأقارن بينها وبين النسخ الأخرى، ولا أدري إن كان أصلها مماثلا للأصل الذي ترجم منه «جلان» أم لا؟
ولقد ترجم الدكتور ماردروس المصري مولدا ونشأة والمستوطن بباريس كتاب ألف ليلة ترجمة جمعت بين دفتيها الدقة والبلاغة سنة 1900، وهي تقع في ستة عشر مجلدا، ثم طبعت طبعة ثانية في ثمانية مجلدات كبيرة مجلدة تجليدا فنيا ومحلاة بصور ملونة تمثل الصور المزدان بها بعض المخطوطات الهندية والفارسية الشهيرة، وقد اشترك في هاتين الطبعتين مكتبتا «لوفاسور» و«فاسكيل» بباريس.
ولقد ترجم المسيو ماردروس أغلب سور القرآن ترجمة سحبت ذيل النسيان على جميع التراجم القديمة، وطبعتها مكتبة «فاسكيل» السالفة.
ولقد نقل المسيو ماردروس ترجمته عن طبعة بولاق وقال بدوره: إنها أضبط ما وجد من نسخ ألف ليلة.
نريد أن ننتقل بالقارئ إلى نظرة نحلل فيها ألف ليلة علنا نستنبط من بين سطوره شيئا يفيدنا في هذا البحث العويص، وسيكون مدار تحليلنا الموضوع من الوجهة الفنية والإنشاء ونفسية الكاتب وجنسيته، وهل هو فرد أو أفراد، والعصر الذي وضعت فيه الترجمة التي بين أيدينا اليوم.
لا مراء في أن الكاتب كان خصب الخيال غزير المادة، ولقد أجاد في وضع الأساس على شكل فني ظريف وهو خبر شهرزاد مع شهريار وتفننها في سرد لذيذ القصص والحكايات، ووقوفها كل ليلة عند نقطة من الحديث هامة حتى استبقاها الملك، وقد سبق ذكر ذلك في موضعه.
فالمجموع عظيم ولكن التفاصيل فيها عيوب جمة؛ منها الإسراف والمغالاة في المبالغة كقوله: إن الرخ يحجب الشمس حينما يطير وبيضته أعظم من القبة، وقوله عن أغلب أبناء الملوك: فما أتم حوله الخامس عشر حتى صار فارسا صنديدا لا يلبث أمامه الفرسان الأشداء، وكوصفه لقصور الجن بأنها من الذهب والفضة والياقوت والزمرد، وكزواج أشخاصه ببنات الجن وظهورهن بين الناس، وكقوله: إن سيف الملوك لما سافر أخذ معه أربعين مركبا وعشرين ألف مملوك، إذ لا يعقل أن أربعين مركبا في العصور القديمة تكفي لحمل الأمتعة والمئونة وعشرين ألف مملوك، ولا يعقل وجود جيش جرار من المماليك في أي بلاط! وسرد هذا الخبر في حد نفسه لا يبهر القارئ ولا يدهشه بل يضحكه سخرية.
ويلاحظ القارئ أن طريقته في سرد الحوادث مفككة الأوصال لا يربطها ترتيب في الزمان ولا في المكان، فتراه في قصة الملك شهرمان وولده قمر الزمان وحفيديه الأسعد والأمجد، أن هذين الغلامين لما أمر والدهما وزيره بقتلهما عقب اتهام والدة كل منهما لابن ضرتها بأنه راودها، ورفض الوزير قتلهما وتركهما ليهربا، وسفرهما من بلد لآخر دون أن يعلم أبوهما وجدهما من أمرهما شيئا.
ولما أراد أن يختم هذه القصة الطويلة حضر قمر الزمان وعسكره، وبعد لحظة حضرت الملكة مرجانة وجيشها، وبعد آونة حضر الملك الغيور صهره وجنوده ثم تلاه الملك شهرمان وعساكره.
نامعلوم صفحہ