خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
اصناف
ولو تمعنا في هذه الجملة لوجدناها آية في البلاغة وحسن الصوغ وجزالة المعاني ورقة الوصف وقد جمعت ثماني وثلاثين صفة؛ منها خمس وعشرون لوجهه وقامته والباقي لشمائله.
وأختم قولي بإبداء شعوري وإعجابي نحو فئة عظيمة من إخواننا الأقباط تتبارى في المنظوم والمنثور يزيد عددهم يوما فيوما، وإني أشكر لسعادة الأستاذ وهبي بك الذي بث فيهم الروح وأحسن تهذيبهم، وعرفهم بأن لغتهم هي التي يتخاطبون بها، فتنافسوا في تحصيلها تنافسا يغبطون عليه ويعود عليهم بالثناء الجميل. (10) تصوير العواطف والوجدان
ما فتئ كثير من الكتاب والشعراء يعنون بالأسلوب واختيار الألفاظ وسرد المترادفات دون أن يهتموا بالتعبير عما يجول في نفوسهم، فتراهم لا يستطيعون أن يصوروا حالاتهم النفسية تصويرا صادقا يجسم لك ما تضطرب به عواطفهم، ويجيش في نفوسهم من عنيف العواطف التي تتملك شعور القارئ وتهز أعصابه حتى لا يحس بما حوله.
مثل الإنشاء الوجداني كمثل غانية فتانة كفاها جمالها مؤنة الحلي والحلل والتزويق، وإن أعوزته متانة الأسلوب وحسن اختيار الألفاظ فهو بحالته هذه أفضل من غيره المنمق الأجوف.
ولقد حداني إلى الخوض في هذا الموضوع قطعتان تعدان بحق باكورة المثل العليا وبشائر النهضة المباركة والقدوة الحسنة التي يسترشد بها للوصول إلى الكمال؛ أولاهما: «بيت الإبرة» للأستاذ الجليل والكاتب الوجداني القدير الدكتور عبد الوهاب عزام، والثانية: «قصة في رسالة» للكاتبة الفاضلة «فتاة الفرات».
أخذ كاتبنا المفضال مجلسه في مكتبه في إحدى الليالي المباركة، وقد أسدل الليل سكونه وحلق طيف الشعر في غرفته وتجلت له البصيرة؛ فهبت نفسه ثائرة تملي عليه ما خط في أعماق فؤاده بلسان فصيح فتن به طيفه المحلق فوق رأسه، ثم زاغ بصره فيما حوله عله يجد موضوعا يطرز عليه تلك النفحات النادرة فوقع على بيت الإبرة، فأعجب بإخلاصه وشدة أمانته للشمال رغم توالي القرون والدهور لا يحيد عنه ولا يتزعزع، ولو وجهته بعنف وجهة أخرى، وما فتئت تلك الإبرة المباركة مرشدة للإنسان في البر والبحر والهواء، ثم عطف على إبرة مماثلة بين جوانح الإنسان ترشده إذا ضل، وتهديه إذا غوى، اللهم إذا استثنينا من في قلوبهم مرض وعلى أبصارهم غشاوة، فقد حاولت أن تهديهم فما وجدت لهم إلى الهدى سبيلا.
ولا تأخذنكم العزة أو تعروكم غضاضة أن تأخذوا أدبكم من فتاة، فإن كاتب هذه السطور الضعيف يعترف أول الناس بأنه لا يستطيع أن يدرك شأوها في هذا المضمار، ولو أسعدتني يوما تلك النفحات لما استطعت أن أكبح جماح الزهو والخيلاء.
ولقد خالجني الشك بعد قراءة هذه الرسالة في الإمضاء، فإن عبارتها تنم عن لهجة فتاة النيل لا فتاة الفرات، ويظهر أنها أمضت هذه الإمضاء تغاليا في الاختفاء وتضليلا للقارئ، قصت علينا الكاتبة حادثتها بأسلوب فني لا يجاريها فيها مجار، وصورت حالاتها النفسية وعواطف جارها الملتهبة تصويرا دقيقا صادقا، والفضل في ذلك لجرأتها البريئة وصراحتها الساذجة، فأخذت ترخي لنفسها العنان وتستسلم لأهوائها فتتبع خطواتها الضمير الحي، وأخذ يناضل مع هذه النزعات الثائرة حتى تغلب عليها وانتصر سلطان العقل الراجح والضمير الحي على الأمارة بالسوء، ثم هدت جارها إلى الصراط السوي وردته إلى عشه حيث تنتظره السعادة، وشفت فؤاده من مرض النفور من أولاده وعدم الاهتمام بزوجه الوديعة الصابرة، وانتهت القصة بدرس قيم في الأخلاق سادت فيه الفضيلة على الرذيلة. (11) ألف ليلة وليلة «بحث تاريخي ونقد وتحليل»
لا جدال في أن هذا الكتاب يعد أول وأعظم سفر حوى القصص والحكايات الفنية في الشرق والغرب، ولقد عني به الغربيون وترجموه إلى أغلب لغاتهم، وما فتئوا يعتبرونه كنزا عظيما يستنبطون منه روايات قصصية وتمثيلية وغنائية وسينماتوغرافية.
لم يظهر لغاية عصرنا هذا مؤلف هذا الكتاب ولا تاريخ وضعه بالضبط، ولم يحاول العلماء المستشرقون البحث عن منشئه إلا في القرن التاسع عشر، وأول من طرق هذا البحث المستشرق الفرنسي الشهير «سلفستر دوساسي» في «مجال العلماء» سنة 1817، ثم أعقبه ببحث آخر سنة 1829، ثم ثالث سنة 1833.
نامعلوم صفحہ