وقد كانت الأيدي التي تصفق في أمريكا تصفق عن مشاعر عرفت السلام الذي تريده مصر، ورأته حين انتصرت مصر، فلم تتكبر لأن الكبار يكبرون ولا يتكبرون، وكانت الأيدي تصفق عن تقدير لرئيس مصر الذي يعمل في عظمة الواثق بنفسه، وبوطنه العريق، لا في جنون المتعاظم، ولا في تشدق هواة الخطب، ولا في عربدة المحاربين بالشعارات.
فئتان في أمريكا قتلهما الغيظ من نجاح زيارة الرئيس السادات هما: الصهيونيون والفلسطينيون، لقد اتفق الصهيوني والفلسطيني في الولايات المتحدة وفي إنجلترا على مهاجمة الرئيس السادات، حتى لقد وقفت جماعة من كل منهما أمام فندق كلاردج بلندن، حيث كان ينزل الرئيس، يهتفون بلسان واحد وبلغة واحدة، ولم يخجل الفلسطينيون!
إن كان الرئيس قد قبل أن يرضي الصهاينة فلماذا يهتف ضده الصهاينة؟!
وإن كان بتحركه هذا يغضبهم ، فلماذا يهتف ضده الفلسطينيون؟!
كيف يتفق السارق والمسروق، وكيف يهتف كلاهما بلسان واحد، وينبض قلب كل منهما بمشاعر واحدة؟!
أم ترى كلاهما سارق؟ إحدى الفئتين سرقت دولة، والفئة الأخرى تسرق أموال دول، والتقت المصالح المتضاربة، والتأم الشر والجشع، واتفق النهب وقطع الطريق، ونطق لسان واحد عن فئتين تدعي كل منهما للأخرى بغضا، وتعيش كل من الفئتين حياتها على حساب هذا البغض، فأما فئة الصهاينة فتدعي أمام أمريكا أن العرب يكرهونها، فهي تريد السلاح والمال لتدافع عن نفسها ضد العرب، وأما الفئة الأخرى فتدعي أن فئة الصهاينة لا تريد أن تعيدهم إلى وطنهم، فهم يريدون المال والسلاح ليقتحموا على الصهاينة الوطن السليب، ويصبح السلاح بعد ذلك سلاحا على العرب، ويذهب المال إلى متاجر الصهاينة في لندن ونيويورك! لا يهم، إنما المهم ألا تنتهي القضية إلى سلام، فإن قبل زعيم عربي حصيف سلاما فهم عليه حرب، وإن اتفقوا في ذلك مع الصهاينة؟! ... نعم وإن.
ولكن كبار الساسة في العالم يدركون، وتقف أمريكا كلها تحيي الرئيس، ونلتقي برجل الشارع في أمريكا فنجده متابعا زيارة السادات في حب وإعزاز، ويقول لي أحدهم (وكنت معه على عشاء): إننا نرى في وجه رئيسكم وجه رجل صادق، حتى ليخيل إلي أنني لو التقيت به وطلب إلي أن أفعل أي شيء لفعلته دون تردد.
ويسألنا سائق السيارة الأجرة عن الرئيس وعن زوجته، ويقول لنا آخر إنه سعيد أن الرئيس استقبل هذا الاستقبال من نواب أمريكا وشيوخها. ... وتنبح الكلاب في موكب السلام، ولكن صوتها مخنوق بالباطل الذي تدين به، وبالجشع الذي يتملكها، وتعلو الكلمة الحرة البعيدة عن الغرض، الرفيعة عن التملق، المتأبية عن السوقية.
وتحيا مصر.
ماذا عن ... المنابر؟ وماذا عن ...
نامعلوم صفحہ