62

أشد ما يؤلم امرأ يقدر حقوق الإنسان، ويرعى حقوق الفرد أن يجد من قوانين الجماعات، أو نزعات الحكومات ما يتعارض وتلك الحقوق. فالقانون الذي يطول بحده القاسي فردا يستخدم حقه الطبيعي في حرية الرأي، ثم يحول بينه وبين الحق المدني في العمل والسعي لهو قانون يتنافى وأصول الحقوق الطبيعية. وأن النزعة التي تنزع إليها الجماعات في تضييق ميدان التجاذب، والتآلف، والتسامح، بينها وبين أفرادها؛ لهي نزعة قاسية لا تتفق وتقدم الإنسانية ورقي الأمم، وإن النزعة التي تنزع إليها الحكومات أحيانا في أن تبيح لنفسها ولأنصارها حرية التصرف والسعي والعمل، ثم تنكرها على خصومها لهي نزعة قاسية هادمة لأقدس الأصول في حقوق الأفراد ومصلحة الجماعات.

فيا أنصار الحق طالبوا بحق الإنسان حين تشعرون بخطر يهدد حق الإنسان. ويا أشياع الحرية أنشدوا الحرية ما شعرتم، إن الحرية الصالحة الصحيحة في خطر.

الجمود

القاهرة في 24 من أغسطس سنة 1925

للجامدين أذهان ليست كالأذهان، ولهم قلوب ليست كالقلوب، ولهم نفوس ليست كالنفوس.

فأذهانهم لا تمتد إلى ما يمتد إليه النظر الواسع، ولا تنسجم حركاتها حيث تنسجم مقدماته ونتائجه.

وقلوبهم لا تشعر بما تشعر به القلوب، فلا تحس ألوان الجمال المتصلة بمظاهر الخلق، ولا تتأثر بضروب الأحداث التي تختلف في هذا الوجود، ولا تخفق لآيات الله في السموات، ولا تخفق لآيات الله في الأرض، ولا لآياته المطوية في كر العصور وعبر الدهور.

ونفوسهم محجبة وراء سجوف من السواد ، ولا يصل إليها ضوء من الأنوار المتلألئة في نواحي الكمال، ولا تنبعث فيها حرارة الإيمان بالتقدم والخير، ولا يستعر منها قبس لنار الهمة المتحفزة للأمام. •••

إن طبيعة الذكاء أن يتطاول إلى شئون هذه الحياة ليحوزها بالفهم، وينبسط إلى الأمور ليتصل بها بالمعرفة، وطبيعة الجمود أن ينقبض عن أشياء هذا الوجود وينصرف عنها. والجامدون ينكمشون إلا عما ألفوه، وينقبضون إلا عما ورثوه.

إن أظهر ما يمتاز به الإنسان عقله الذي يبحث به وشخصيته الضاربة جذورها في الماضي، القائمة سيقانها في الحال، الممتدة فروعها وغصونها للمآل.

نامعلوم صفحہ