كتاب الخشية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
أصل الخشية لله العلم، وفرع الخشية لله الورع، وفرع الورع الدين، ونظام الدين محاسبة المرء لنفسه، وآفة الورع تجويز المرء لنفسه الصغيرة من فعله.
وأصل التدبير فهو التمييز، وأصل التمييز فهو الفكر، ومن لم يجد فكره لم يجد تمييزه، ومن لم يجد تمييزه لم يستحكم تدبيره. والعقل كمال الإنسان، والتجربة لقاح العقل، ومن لم ينتفع بتجربته؛ لم ينتفع بما ركب فيه من عقله، وشكر المنة زيادة في النعمة، والنعمة لا تتم لمن رزقها إلا بشكر موليها، ومن أغفل شكر الإحسان؛ فقد استدعى لنفسه الحرمان، ومن أراد أن لا تفارقه نعم(1) الله؛ فلا يفارق شكر الله. وحصن الرأي التأني، وآفته العجلة، إلا عند بيان الفرصة، ومن علم ما لله عنده لم يكد يهلك ، ومن أراد أن يعلم ماله عند الله؛ فلينظر ما لله عنده، ثم ليعلم أن له عند الله مثل ما لله عنده، قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} الآية [الأنعام: 160].
وجودة اللسان زين الإنسان، وحياة القلب أصل البيان، ومن فكر في عواقب فعله؛ نجا من موبقات عمله، وصاحب الدين مرهوب، وصاحب السخاء محبوب، وصاحب العلم مرغوب إليه، وذو النصفة مثنى عليه، ومن كفى الناس مؤنة نفسه؛ كفاه الله مؤنة غيره، ومن خضع وتذلل لله فقد لبس ثوب الإيمان، ومن لبس ثوب الإيمان؛ فقد تتوج بتاج العزة من الرحمن، قال الله سبحانه: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8]. ومن رزق نزاهة النفس فقد أعطي عوضا عن العبادة، ومن وفق للصبر عند البلاء؛ فقد خففت عنه المحنة(2) العظمى، ومن أراد من الله التسديد والتوفيق؛ فليعمل لله بالإخلاص والتحقيق.
صفحہ 690