فإن قيل: ولم وضع الكلام على ما كان مستقلًا بنفسه البتة والقول على ما قد يستقل بنفسه، وقد يحتاج إلى غيره ألاشتقاق قضى بذلك أم لغيره من سماع متلقى بالقبول والاتباع قيل: لا؛ بل لاشتقاق١ قضى بذلك٢ دون مجرد السماع. وذلك أنا قد قدمنا في أول القول من هذا الفصل أن الكلام إنما هو من الكَلم والكَلام والكُلوم وهي الجراح؛ لما يدعو إليه، ولما يجنيه في أكثر الأمر على المتكلمة٣، وأنشدنا في ذلك قوله:
وجرح اللسان كجرح اليد
ومنه قوله ٤:
قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
ونحو ذلك من الأبيات التي جئنا بها هناك وغيرها مما يطول به الكتاب، وإنما ينقم من القول ويحقر٥، ما ينثى٦ ويؤثر، وذلك ما كان منه تامًّا غير ناقص،ومفهومًا غير مستبهم وهذه صورة الجمل وهو ما كان من الألفاظ قائمًا برأسه غير محتاج إلى متمم له، فلهذا سموا ما كان من الألفاظ تامًا مفيدًا كلامًا؛ لأنه
_________
١ كذا في ج. وفي غيرها من الأصول: "الاشتقاق".
٢ كذا في ب، ش، د، هـ. وفي أ: "به".
٣ يريد الطائفة المتكلمة، وفي ش، د: "المتكلم" وقد يكون "المتكلمة" تحريفًا عن "المتكلمه": أي المتكلم الكلام.
٤ هو الفرزدق. والقوارص جمع القارصة وهي الكلمة المؤذية؛ وقيل هذا البيت:
تصرم مني ود بكر بن وائل ... وما كان مني ودهم يتصرم
وانظر الكامل طبعة المرصفي ١٢٧/ ١. وانظر ديوانه طبعة أوروبا ٦٠؛ وفيه "عني" بدل "مني" في الموضعين "فيحنقرونها" بدل "ويحتقرونها".
٥ في الأصول والمطبوعة: "يحقد" وما أثبته هو الموافق لقوله في الشعر: "ويحتقرونها"، ولأن حقد لا يعرف متعديًا.
٦ يقال: ثنا الحديث: أذاعه وحدث به.
1 / 22