خريطة المعرفة
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
اصناف
17
كان هذا انتصارا ساحقا للمسيحيين في الإسكندرية. كان السيرابيوم في السابق مركز المعرفة والسلطة الوثنية، وكان تدميره رمزا «للحرب الواسعة النطاق التي تشنها المسيحية على الثقافة القديمة ومقدساتها؛ الأمر الذي كان يعني الحرب على المكتبات».
18
انقلبت الأوضاع مجددا، بعد قرنين من الزمن، بوصول العرب، في عام 641. حينذاك، لم يكن قد بقي الكثير من مكتبة الإسكندرية، وكانت مجموعتها تتألف في معظمها من مؤلفات تتناول موضوعات عن الديانة المسيحية، التي لم تكن محط اهتمام الفاتحين المسلمين. يحكى أن الخليفة أمر بأن ترسل كل اللفائف، عدا لفائف أرسطو، إلى الحمامات العامة، حيث وضعت في الأفران التي كانت تسخن ماء الاستحمام. وعلى ما يبدو، استغرق الأمر ستة أشهر لإحراقها كلها. هذه قصة جيدة، ولكن الحقيقة أقل دراماتيكية وتسلية. لقد كان المصير الأرجح للمكتبة التدهور التدريجي. فكان الحبر يبهت والبردي يتفتت متحولا إلى تراب. وإذا لم يفكر أحد في صنع نسخ جديدة، كان ضياع المخطوطات يصبح أمرا محتوما. اندثرت المكتبة العظيمة، ولكن سمعتها المدوية ظلت رمزا أبديا لسلطان المعرفة وكذلك لمأساة فقدها.
بحلول عام 500 ميلادية، كانت الإسكندرية آخذة في الأفول؛ إذ تجاوزتها، في الحجم والأهمية السياسية، مدينة القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية. كان أباطرة القرن السادس منشغلين ببهرجة عاصمتهم بالمباني الضخمة أكثر من الاعتناء بالمكتبة الإمبراطورية، التي كانت قد أنشئت في أواسط القرن الرابع. لم يكن أي من حكام الإمبراطورية في هذه الفترة مهتما بالمعرفة العلمية بالطريقة التي سيكون عليها الخلفاء، الذين سوف نلتقي بهم لاحقا، أو حتى بالطريقة التي كان عليها الملوك البطالمة الأوائل. لا بد أنه ظلت مجموعات كتب خاصة صغيرة توجد في القسطنطينية، وبالتأكيد كانت توجد نسخ من أعمال إقليدس وبطليموس وجالينوس في المجموعة الإمبراطورية بعد ذلك بنحو قرنين من الزمان. إلا أنه في عام 500، كان مصير كتابات روافد العلوم القديمة الثلاثة العظيمة غير يقيني. فلم يبق إلا بضع نسخ من «المجسطي » و«العناصر»، إلى جانب نصوص مختارة من مجموعة الأعمال الضخمة لجالينوس، متناثرة بين كل من مصر وسوريا والأناضول واليونان. وقبع بعضها، منسيا، في أطلال المعابد القديمة، أو مختفيا في صناديق قديمة في مكتبات مهملة وبعضها الآخر كان يمكن العثور عليه في بعض الأديرة أو موضوعا على الأرفف في مجموعات كتب خاصة، تحت حماية عدد قليل من الباحثين الذين تمكنوا من إبقاء جذوة علوم الفلك والرياضيات والطب متقدة إلى أن بزغ فجر الفترة العظيمة التالية من البحث العلمي، في بغداد إبان العصر العباسي.
هوامش (1)
مكتبات حقوق الطبع والنشر في بريطانيا، والتي تعرف أيضا باسم «مكتبات الإيداع القانوني»، هي المكتبة البريطانية ومكتبة بودلي ومكتبة جامعة كامبريدج والمكتبات الوطنية لاسكتلندا وويلز. (2)
عندما مات الإسكندر في بابل، استولى بطليموس سوتير على جثمانه وأعاده إلى مصر ليوطد مركزه باعتباره الوريث الأساسي للإسكندر. (3)
كانت أطروحة «العناصر» تستخدم ككتاب مدرسي في بريطانيا حتى ستينيات القرن العشرين. (4)
قصة هيباتيا هي واحدة من أكثر القصص مأساوية وإثارة للاهتمام في العصور القديمة كلها وجعلت منها أشهر عالمة في تلك الحقبة التاريخية. كانت هيباتيا شخصية ذات دور قيادي بين أرباب الفكر في مدينة الإسكندرية، علمها والدها ثيون وعملت إلى جواره، ولكنها أصبحت هدفا لعداء المسيحيين للثقافة الوثنية واغتيلت على يد حشد من الغوغاء المتعصبين دينيا. (5)
نامعلوم صفحہ