فقال صاحبه: الأمل واقعي أيضا. - إن كل شيء مهدد بالزوال. - إنك متشائم. - كلا، ولكني لا أدري ماذا أفعل؟ - افعل ما يفعله المطارد. - وما ذاك؟ - لا تعتمد كل الاعتماد على الحديقة أو العمارة أو الشركة، لا بد من خزانة في البيت، واحرص على الحلي والجواهر. - وماذا عن جو القحة الذي يحاصرنا؟ - ضع أعصابك في ثلاجة!
تذكر السني بحنق، الخبيث الذي يحترف الطيبة، على حين تقدح عيناه شرا متأصلا، ثم يزعم أنه رأى له حلما! وإذا بصاحبه يقول: دعني أحدثك عن حلم رأيته ليلة أمس!
فضحك ضحكة عالية، لم يفطن الآخر بطبيعة الحال إلى مغزاها أو سببها! •••
أصبح يؤمن بأن المدير يتجنب النظر نحوه بازدراء صامت كلما مر به في طريقه إلى السيارة، ولا شك أنه يضيق به ويلعن وجوده، وأفضى بهواجسه إلى زميله في الجراج، فقال الرجل: إنك تخلق أوهاما لا أساس لها، وأقسم لك إنه لم يدر بك قط.
وحمل نفسه على تصديق ذلك. أجل، فإن العدم الكامل خير من أن يكون مثار سخطه، وأراد أن يعترف بمخاوفه للشيخ، ولكنه وجد نفسه يقول: حلت بركتك بابني فهد، فهو يتقدم نحو الشفاء.
فقال الشيخ: لو أصاب مرضه أحد أبناء الأغنياء لحشد له الأطباء، فالله جل جلاله مع الفقراء.
فسأله: لماذا كان المؤمن مصابا؟
فأجاب بثقة وإيمان: ذلك أنه لا يرتضي عن الجنة بديلا.
إن جلسات الليل في الزاوية أو في منظرة البيت، شفاء للقلوب الجريحة، وكلمات الشيخ أثمن من أشياء كثيرة يعدها أهل الدنيا سعادة وزينة، والجوزة التي يستعملها الضالون لإشباع الأهواء، تعتبر هنا بحق وعاء للنور والحكمة الإلهية، وما أجمل أن تكون محبوبا كالشيخ، أن يهبك الناس - حتى أغنياؤهم - القلوب. لذلك تتهادى إليه العطايا الطيبات، وهو يقبلها بسماحة نفس؛ إكراما لهم، لا حرصا عليها أو ولعا بها، وقد سأله ذات يوم أخ في الطريقة: لم لا يعطينا مما أعطاه الله؟
فغضب وقال له: يا أخي، إنه يعطينا ما لا يقدر بمال. •••
نامعلوم صفحہ