بتفريق رؤساء سجاح عن مسيلمة.
ثالثا:
باستخدام المسلمين من بني حنيفة للمشاغبة على مسيلمة. والأخبار تدل على أنه أرسل الكتب إلى التميميين ليتركوا جانب مسيلمة فوفق إلى ذلك، كما أنه ساق قوة خيالة لمقاتلة رؤساء سجاح الثلاثة وهم: عقة وهذيل وزياد، ففرق رجالهم واضطرهم إلى العودة إلى حي بني تغلب في الشمال، وأن المسلمين من بني حنيفة ثاروا على مسيلمة وشاغبوا عليه، ولعل عكرمة بن أبي جهل أراد أن يستفيد من المشاغبين فقاتل رجال مسيلمة فلم ينتصر، وكانت الأخبار تأتي خالدا وتنبئه بما في اليمامة.
أما خطته العسكرية فكانت ترمي إلى الزحف إلى اليمامة على أقصى طريق والهجوم على جيش مسيلمة أينما لقيه.
عاد خالد إلى المدينة بالبطاح في أوائل السنة الثانية عشرة الهجرية، وكان الجيش مجتمعا فيها ينتظر أمر الحركة، وقضى خالد مدة قصيرة في البطاح يترقب ورود المدد من المدينة، فكانت القبائل تمد جيشه برجالها، فالتحق به رجال بني أسد وتميم وبني عامر، وكانت الأخبار ترد إليه من اليمامة منبئة بأحوالها وآخر من وصل إليه ابن عمير اليشكري فاطلع خالد على جلية الأمر في اليمامة. (30) ساحة القتال
اختار مسيلمة موقع عقرباء لجيشه، وهذا الموقع على الحدود الفاصلة بين اليمامة وبلاد بني تميم، وهو مفتاح لموقع من أخطر المواقع السوقية بين مقاطعة العارض ومرتفعات المحمل وجبل طويق.
وبالقرب من هذا الموقع تقوم قرية جبيلة الحديثة، وقد بحث فيه «فيلبي» في كتابه الآنف الذكر، قال:
وإذا تأملت الوادي (أي وادي حنيفة) عند جبيلة، وجبيلة هذه أحد منازل بني حنيفة من قديم الزمن وإليهم نسب الوادي، وفي سمائه ارتفع لواء صيتهم فسمي بوادي حنيفة، لألفيته وهدة من الأرض قريبة القرار واسعة الجوانب تكتنفها المهابط المطمئنة الجرداء من كل حدب وصوب وللوادي عقيق يضيق شيئا فشيئا حتى تراه قد غاص في بطن حجري نشزت على ضفافه الطنوف الشواخص على النحو المتقدم وصفه، فالقرية إذن مفتاح لموضع من أخطر المواضع السوقية وأعظمها شأنا واقعة بين مساكن المعارض ومرتفعات المحمل وطويق، وقيل في هذا المكان وقعت معركة فاصلة من معارك التاريخ الإسلامي دارت فيها رحى القتال بين أصحاب النبي وبعض المؤمنين من رجاله وبين مسيلمة نبي حريملة الكذاب وقواته، وكان النصر فيها حليف المسلمين بعد أن خسروا آنئذ في سبيل دينهم القويم نحو سبعين من نخبة الصحابة، وهم الرجال الخلص الذين اصطفاهم النبي فأودع في صدورهم تعاليمه ...
إلى أن قال:
لا تزال قبور الصحابة الذين استشهدوا في تلك المعركة ظاهرة إلى يومنا هذا مهجورة في منبطح من غرين نهر عميق صفا ماؤه واقع على مقربة من القرية، وقد رأيت القبور أيام زيارتي لها ومروري بها، وقد بليت وتحاتت بتأثير الزوابع وفعل الأعاصير، وقد نجم عن ذلك أن تفتحت جوانب الكثير منها فظهرت فيها ثغر فاغرة أفواهها نحو الوادي، ولم يزد ارتفاع الرسوب الغريني على ثلاث أو أربع أقدام فوق القبور، فلنا إذن من ذلك أحد الأمرين:
نامعلوم صفحہ