ولعل المعركة وقعت في نهاية أيلول (سبتمبر) أو في نهاية تشرين الأول (أكتوبر)؛ إذ مضى على حركة خالد من ذي القصة ما يقارب الخمسة عشر يوما، وبعد أن أمن خالد جانب طيء واستنجد بهم تقدم رأسا نحو بزاخة يريد طليحة.
وتقدمت أمامه قوة استطلاع بقيادة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، وتدل الأخبار على أن المرتدين باغتوا هذه القوة وقتلوا قائديها، وكانا من فرسان المسلمين المشهورين، وكان جيش طليحة متأهبا للقتال يقود بني أسد سلمة أخو طليحة، ويقود فزارة عيينة بن حصن ومعه سبعمائة فارس من فزارة.
ومن الروايات ما يدل على أن خالدا وقف بالغمير قبل شروعه في القتال، وإن كانت الرواية التي يرويها الطبري نقلا عن سيف لا تذكر ذلك بوضوح، وخلاصة الرواية أن أحد المسلمين أخذ رجلا من بني أسد فأتى به خالدا، وكان الرجل عالما بأمر طليحة فسأله خالد عما يعلمه عن طليحة.
وموقع الغمير رابية تشرف على مياه بزاخة، واسمه في الخريطة جبل الغمير، ومنه ينصب وادي الغمير.
ولعل خالدا أرسل قوة الاستطلاع من هذا الموقع ليستكشف قوة العدو وموضعه وجيش المسلمين في موضع مسيطر. ولعل عكاشة وثابتا قتلا لما كان يقومان بالاستطلاع فقتلتهما الطليعة التي أوفدها طليحة بقيادة أخيه سلمة، فنصب كمينا لقوة الاستطلاع وباغتها، ولما اطلع المسلمون على مقتل عكاشة وثابت هالهم الأمر.
ومن الروايات ما يشير إلى أن خالدا لم يزور عن طريقه كما تقدم من ذي القصة إلى بزاخة إلا بعد أن رأى الجزع المستولي على أصحابه عند مقتل عكاشة وثابت، فمال بهم إلى حي طيء، وقال لهم: «هل لكم إلى أن أميل إلى حي من أحياء العرب كثير عددهم، شديدة شوكتهم؟» ولعل هذه الروايات ذكرت لتسويغ ازورار جيش خالد عن طريقه نحو بلاد طيء على ما أثبتناه فيما تقدم؛ إذ لا يعقل أن يصيب المسلمين الجزع بمجرد أن يقتل منهم فارسان، والروايات ذاتها تذكر قتل عكاشة وثابت بيد طليحة وأخيه سلمة، فمعنى أن القتال وقع بالقرب من بزاخة فيكون من الصعب أن يدير خالد ظهره ويترك عدوه ويتجه نحو بلاد طيء، بينما كان أهلها مترددين.
والواضح من هذه الروايات أن خالدا قدر الموقف قبل مسيره من ذي القصة. (18) القتال
رتب خالد جيشه في حظر القتال وجعل الأنصار والمهاجرين في الميسرة ورجال القبائل في الميمنة، ولعل أهل طيء كانوا في القلب مع بعض القبائل.
أما جيش طليحة فكان عيينة بن حصن مع سبعمائة فارس من فزارة في الصف الأول، وكان طليحة بن خويلد في القلب يشرف على القتال وفي أطرافه أربعون فتى من بني أسد استماتوا في الدفاع عنه، وكانت راية بني أسد حمراء رآها المسلمون من بعيد.
وتدل الأخبار على أن القتال بدأ بهجوم الفريقين أحدهما على الآخر، فكان عيينة بن حصن يقود الفرسان، أما حبال وسلمة أخو طليحة فكانا يقودان المجنبتين من جيش الأعداء.
نامعلوم صفحہ