کینز مقدمہ قصیرہ

کابد رحمان مجدی d. 1450 AH
9

کینز مقدمہ قصیرہ

جون مينارد كينز: مقدمة قصيرة جدا

اصناف

وفي عام 1902، ذهب إلى كلية كينجز كوليدج في كامبريدج في منحة مفتوحة لدراسة الرياضيات والأدب الكلاسيكي. لم يجد قط متعة كبيرة في دراسته للرياضيات - مادته المفضلة - فتخلى عنها بطيب نفس بمجرد حصوله على درجة الشرف الأولى في الرياضيات من جامعة كامبريدج. وقضى معظم الوقت قبل تخرجه في أشياء أخرى؛ مثل دراسة الفلسفة، وكتابة بحث عن عالم المنطق بيتر أبيلارد الذي عاش في العصور الوسطى، وإلقاء الخطب في اتحاد جامعة كامبريدج (الذي ترأسه عام 1905)، ولعب البريدج، وتكوين الصداقات. وفي عام 1906 جاء ثانيا بعد أوتو نيماير في اختبار الخدمة العامة، والتحق بمكتب الهند. وبعد عامين من العمل الرتيب، كان قد حصل معرفة جيدة بالنظام المالي للهند؛ وهو ما أدى لتعيينه عضوا في اللجنة الملكية لشئون المالية والعملة بالهند في عام 1913. لكنه قضى معظم ساعات عمله في كتابة بحثه عن الاحتمالات، الذي منحه في ثاني محاولة درجة الزمالة في كلية كينجز كوليدج عام 1909. وبقيت جامعة كامبريدج بيته الأكاديمي لبقية حياته.

وبينما كان يؤسس بذلك لحياته العملية، حدث تغير في القيم، أدى به إلى تجاوز قيود القيم الفيكتورية المرنة التي تربى وفقها على يد والديه؛ فقد كانت الأخلاق الفيكتورية تدعمها معتقدات دينية آخذة في الانهيار. كان كينز وزملاؤه قبل التخرج ملحدين على نحو واضح؛ لكن بالنسبة لهم - كما هو الحال مع الكثير من المفكرين المنشقين عن الكنيسة - لم يغن تخليهم عن المعتقدات التي رأوها خاطئة عن الحاجة لمعتقدات يرونها صحيحة. فبحثوا في الفلسفة الأخلاقية محاولين إيجاد وسيلة لعيش حياتهم. فوجدوا في الفيلسوف جي إي مور ضالتهم لتبرير خرقهم للقواعد الاجتماعية والجنسية لآبائهم. وكان كتابه «مبادئ الأخلاق» (1903) هو البيان التأسيسي لحقبة الحداثة بالنسبة لجيل كينز، والذي وصفه كينز فيما بعد بأنه «السبيل إلى جنة جديدة على الأرض.»

وقع كينز تحت تأثير مور عندما انتخب - في الفصل الدراسي الثاني قبل تخرجه - عضوا بجماعة «رسل كامبريدج»؛ وهي جماعة فلسفية نقاشية انتقائية وسرية (في ذلك الوقت). وكون من خلال تلك الجماعة عددا من أفضل الصداقات في حياته، وخاصة مع ليتون ستراتشي، وفي نهاية العقد الأول من القرن العشرين أصبح عضوا في مجموعة بلومزبيري، والتي تضم أعضاء جماعة «رسل كامبريدج» وأصدقاءهم وأقاربهم من الرجال والنساء، وتوجد في لندن. كانت تلك المجموعة تضم عددا من شباب الكتاب والفنانين الذين وجدوا في الحياة الأكثر تحررا في منطقة بلومزبيري غير المعروفة الموجودة بلندن مهربا من الأعراف الضيقة الأفق لبيوت آبائهم. ووجد كينز في هذه المجموعة الماكرة من الأصدقاء البارعين - الذين يبدون الإعجاب به تارة ويهاجمونه تارة أخرى - موطنا عاطفيا له قبل زواجه.

أقنع مور أفراد تلك المجموعة بالقيمة السامية للتجارب الجمالية والصداقة الشخصية، ومحا سوداوية الجيل السابق الذي لم يجد سببا وجيها للقيام بواجبه؛ فأعاد إدخال التفاؤل والبهجة إلى النقاشات الأخلاقية، وهو ما فجر نقاشا جديدا للروحانيات على أساس من فلسفة كامبريدج التحليلية. ولم يكن ذلك التحول ممكنا إلا لمن سمحت لهم ظروف الحياة بذلك، وهؤلاء الذين كانت السياسة من أقل اهتماماتهم بحيث تعجز عن تعكير صفو «الحالات الشعورية الجيدة »؛ وهو شيء انطبق بكل تأكيد على كينز قبل عام 1914، لكنه كان تحولا محطما للقيود على نحو كبير.

كتب كينز في عام 1938 عن الأيام التي عاشها قبل الحرب العالمية الأولى: «كانت كبرى غاياتنا في الحياة هي الحب والإبداع والاستمتاع بالتجارب الجمالية والسعي وراء المعرفة. لكن الحب كان في مكانة أعلى بكثير من باقي تلك الغايات.» وكان الحب بالنسبة لكينز وأصدقائه في جماعة «رسل كامبريدج» يعني الحب المثلي، بشكل روحي نوعا ما في البداية. وكان رفيق كينز من عام 1908 حتى عام 1911 الرسام دانكان جرانت، ابن عم ليتون ستراتشي، الذي «اختطفه» كينز من الأخير؛ وهو ما سبب اضطرابا شديدا في المجموعة. واستمر ارتباط كينز العاطفي بالشباب الصغار حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. لكن كينز لم يكن متطرفا في الحب كما كان في الاقتصاد أو السياسة. فلم تمنعه مثليته من إمكانية الوقوع في الحب والدخول في علاقة جنسية سعيدة مع المرأة المناسبة؛ وكان موعد ظهورها في حياته بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

أما الجمال بالنسبة لكينز وأصدقائه، فكان يعني بالدرجة الأولى الرسم القائم على مذهب ما بعد الانطباعية والباليه الروسي والأساليب الجديدة للفن الزخرفي التي تأثرت بكليهما. فكانت لندن بالنسبة لمن يملكون المال والذوق والخدم المحليين (لم يكن من المكلف استقدام خدم) مكانا مثيرا، وذلك قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. وكان التمسك الشديد بالتقاليد البريطانية، الذي شكا منه ماثيو أرنولد من قبل، قد بدأ يتوارى أمام محاولات التجديد الفني. ولم تخطر ببال أحد فكرة أن بإمكان بعض الأشخاص الأغبياء في وسط أوروبا أن يهدموا الحضارة بسبب الطموح للقوة والسيطرة والعداوات العرقية؛ فقد كان عالما منفصلا تماما عن الحياة البسيطة للناس الذين رأوا مع ذلك أن التقدم الاقتصادي سيؤدي إلى حياة أفضل لهم.

كان السعي وراء المعرفة بالنسبة لكينز يعني الفلسفة وعلم الاقتصاد، والفلسفة على الأخص. ووجه معظم طاقته الفكرية قبل عام 1914 إلى تحويل بحثه إلى كتاب تحت اسم «بحث في الاحتمال»، الذي لم ينشر حتى عام 1921، وفيه حاول توسيع نطاق المناقشة المنطقية لتغطي الحالات التي كانت نتائجها غير مؤكدة. وكان لهذا العمل تأثير مهم جدا في أفكاره الاقتصادية. ألقى كينز محاضرات في كامبريدج عن النقود. وكان منظرا متعصبا لأفكار مارشال المتعلقة بنظرية كمية النقود، ولم يبذل الكثير من الجهد في توسيع حدود هذا الموضوع، رغم أن كتابه الأول (والوحيد الصادر قبل الحرب العالمية الأولى) المسمى «العملة والمالية في الهند» (1913) كان محاولة واضحة لتطبيق النظرية النقدية القائمة من أجل إصلاح النظام النقدي الهندي. وتميز الكتاب بالمعرفة الخبيرة بالعمل في المؤسسات المالية، وبإجازته لمعيار صرف الذهب، وبدعوته لقيام بنك مركزي هندي. وقد تكشفت هذه التفاصيل لكينز من خلال عمله عضوا في اللجنة الملكية لشئون المالية والعملة بالهند في العام نفسه.

لكن كينز كان مهتما كذلك بمشكلة المعرفة في علم الاقتصاد، ودخل في عام 1911 في جدال حاد مع كارل بيرسون حول تأثير شرب الوالدين للكحوليات على حياة أولادهم. ورفض كينز استخدام بيرسون للمنهج الاستقرائي لإثبات الحقائق الاجتماعية. وعكس ذلك تشككه الأعم في فائدة الاستدلال الإحصائي، إلى جانب رفضه للنظرية الإحصائية أو التكرارية للاحتمال. فعلم الاقتصاد لا يمكن أن يكون علما محكما؛ لأن عدد المتغيرات كبير جدا، ولا ضامن لاستقرار المتغيرات عبر الزمن. وكما قال كينز لاحقا: من الأفضل أن تكون قريبا من الصواب عن أن تكون مخطئا على نحو جازم.

كان كينز في الحادية والثلاثين من عمره حين اندلعت الحرب العالمية الأولى. وغيرت الحرب أسلوب حياته وحياته المهنية وطموحاته، لكنها لم تغير قيمه الأساسية التي كان يؤمن بها. وبعد أن لعب دورا مهما في تجنب انهيار معيار الذهب في أزمة البنوك في أغسطس عام 1914، عمل بوزارة الخزانة في يناير 1915، وبقي هناك إلى أن استقال في يونيو 1919. في يناير 1917 أصبح رئيسا لإدارة جديدة مختصة بتعاملات بريطانيا المالية الخارجية. وخلال تلك الفترة ساعد في بناء نظام لمشتريات الحلفاء في الأسواق الخارجية، والتي كانت بريطانيا تمول جزءا كبيرا منها. وأثبت كينز في الحقيقة أنه مسئول خزانة كفء؛ حيث تكيف بسرعة مع نظام العمل في المؤسسات الحكومية البريطانية، وطبق أكثر من مرة بفاعلية المبادئ الأساسية على المواقف الخاصة، وكانت لديه قدرة رائعة على إعداد مذكرات قصيرة وواضحة بسرعة البرق، وهي ملكة لا تقدر بمال عند الوزراء المنهكين. كما أشبعت الحكومة جزءا من رغباته التي طمحت إلى السيطرة على العالم المادي. استمتع كينز بعمله وسعد بصحبة العظماء وذوي النفوذ التي أتاحها له عمله في وزارة الخزانة كموظف كبير، وعبقري، ووسيم، وعزب، وماهر في لعبة البريدج، ويثير قوله الكثير من القيل والقال.

لكن تلك الصورة التي كشف عنها السير روي هارود في سيرته لكينز لم تكن إلا قناعا أخفى وراءه كينز صراعا داخليا عميقا؛ فقد صدم كينز ورفاقه باندلاع الحرب التي قضت على آمالهم في بناء «حضارة جديدة». ومع تطور الحرب ضعف إيمانهم بتلك الفكرة شيئا فشيئا. لعب كينز الدور المطلوب منه في الحرب؛ ما جعله عرضة للانتقاد المتزايد من أعضاء مجموعة بلومزبيري وأصدقائه من دعاة السلام، وزاد من شعوره بتأنيب الضمير. لكنه برر موقفه بأشكال مختلفة. فبداية من صيف عام 1915 حتى يناير عام 1916، قدم لريجنالد ماكينا، وزير الخزانة، مذكرات رصينة عن العواقب الاقتصادية للتجنيد الإجباري. وكانت فكرته التي عرضها في تلك المذكرات هي أن بريطانيا عليها أن تركز على تقديم الدعم المالي لحلفائها من خلال زيادة الإيرادات بالعملات الأجنبية، بدلا من تبديد الرجال والذخيرة على الجبهة الغربية. كانت تلك الفكرة منطقية مبنية على مبدأ تقسيم العمل، لكن من ورائها كانت هناك كراهية متنامية للحرب ورغبة في إبعاد نارها عن أصدقائه. كما أكسبته تلك الفكرة عداوة لويد جورج الذي آمن بفكرة «الضربة القاضية»، والتي ترى بضرورة تقديم ضربة موجعة للأعداء للتخلص منهم نهائيا.

نامعلوم صفحہ