على أنه لما أن الأجسام نحن أيضا نعترف أنه يوجد مادة ما للأجسام التي تدركها حواسنا، ولكن هذه المادة التي منها يأتي ما يسمى بالعناصر ليست منعزلة ألبتة، بل هي توجد دائما مع أضداد. على أن هذا الموضوع قد درس في موطن آخر بأوسع من ذلك وأضبط.
5
على أنه لما أن الأجسام الأول يمكن أيضا بهذه الطريقة أن تأتي من المادة فيلزم التكلم على هذه الأجسام مع التسليم بأن المادة هي المبدأ والمبدأ الأول للأشياء، ولكنها غير منفصلة عنها، وأنها موضوع الأضداد؛ فإن الحار مثلا ليس هو مادة البارد كما أن البارد ليس مادة الحار، ولكن المادة هي موضوع الاثنين.
6
حينئذ بادئ بدء الجسم الذي هو مدرك بالقوة بإحساسنا هذا هو المبدأ، ثم بعد ذلك تأتي الأضداد كالحار والبارد مثلا. وفي المقام الثالث النار والماء والعناصر الأخرى المشابهة. هذه الأجسام كلها تتغير تغيرا بعضها إلى بعض، ولكن بالطريقة التي يقول بها أمبيدقل وفلاسفة آخرون؛ لأنه بحسب نظرياتهم قد لا يكون بعد حتى ولا الاستحالة، وإنما هي المقابلات بالأضداد هي التي لا تتغير بعضها إلى بعض. على أنه لما كانت تلك هي مبادئ الأجسام فلا بد مع ذلك من دراسة كيفياتها وعددها؛ لأن الفلاسفة الآخرين استخدموا ذلك في مذاهبهم بعد أن قبلوها على طريق الفرض، ولكنهم لا يقولون لماذا هذه الأضداد لها الطبع الفلاني وأنها في العدد الذي نراها عليه.
7
هوامش
الباب الثاني
ما دمنا نبحث فيما هي مبادئ الجسم المدرك بحواسنا؛ أعني الجسم الذي يستطيع اللمس أن يدركه، وما دام أن جسما يعرفنا إياه اللمس هو الذي يكون حسه الخاص هو اللمس، فينتج بالبداهة أن جميع المقابلات بالأضداد التي يمكن مشاهدتها في الجسم لا تؤلف أنواعه ومبادئه، ولكنها إنما هي فقط أنواع ومبادئ الأضداد التي تخص حاسة اللمس. إن الأجسام تتمايز بأضدادها، ولكن بأضدادها التي يمكن للمس أن يبينها لنا؛ لذلك نرى لماذا أنه لا البياض ولا السواد ولا الحلاوة ولا المرارة ولا أي واحد من الأضداد المحسوسة ليس عنصرا للأجسام.
1
نامعلوم صفحہ