14
وكذلك من السخف على السواء تماما افتراض أن أجساما صغارا هي غير قابلة للتجزئة، وأن أجساما كبارا لا تكونه؛ ففي الحالة الحاضرة للأشياء يفهم العقل في الواقع أن الأجسام الكبرى يمكن أن تتفتت بأسهل جدا من الصغرى ما دام أنها تتحلل بدون عناء؛ لأنها كبيرة وأنها تتلامس وتتصادم في كثير من النقط. ولكن لماذا اللامتجزئة قد توجد مطلقا في صغار الأجسام بالأولى من أن توجد في الكبار؟
15
وفوق ذلك كل هذه الجوامد هل هي من طبع واحد بعينه؟ أم هل هي تختلف بعضها عن بعض بما أن بعضها من النار والآخر من الأرض بحسب كتلتها؟ فإذا لم يكن إلا طبع واحد بعينه لجميعها فماذا عسى أن تكون العلة التي قسمتها؟ بل لماذا بتماسها لا تجتمع كلها بالتماس في كتلة واحدة بعينها كالماء حينما يلامس الماء؟ فإن الماء الأخير المضاف لا يختلف في شيء عن الماء الذي كان يتقدمه. ولكن إذا كانت هذه التي لا تتجزأ يختلف بعضها عن بعض، فحينئذ ماذا تكون؟ بين بذاته أنه يلزم التسليم أن هذه هي مبادئ الظواهر وعللها أولى من أن تكون مجرد أشكال لها، ومن جهة أخرى إذا قيل إنها مختلفة الطبع فحينئذ يمكنها بتلامسها المتبادل أن تفعل أو تنفعل بعضها بالآخر.
16
أكثر من ذلك، ماذا سيكون المحرك الذي يوقعها في الحركة؟ إذا كان هذا المحرك مخالفا لها فحينئذ يكون ما لا يتجزأ قابلا، وإذا كان كل ما لا يتجزأ يحرك نفسه فإما أن يصير قابلا للتجزئة بما هو محرك في جزء ومحرك في جزء آخر، وإما أن يجتمع النقيضان في الشيء بعينه معا، وحينئذ تكون المادة واحدة لا بالعدد فقط بل بالقوة أيضا.
17
وحينئذ هؤلاء الذين يزعمون أن التغايير التي تقبلها الأجسام تكون بحركة المسام يجب عليهم أن ينتبهوا؛ لأنهم إذا سلموا بأن الظاهرة تقع حتى لو كانت المسام مليئة لاستعاروا حينئذ للمسام وظيفة غير مفيدة قطعا ما دام أنه إذا انفعل الجسم في هذه الحالة بالطريقة عينها يمكن افتراض أنه - بدون أن يكون له مسام وبما هو نفسه متصل - قد يمكنه أيضا أن يقبل بالتمام كل ما يقبل.
18
ولكن كيف يمكن أن يحصل النظر بالطريقة التي يفسر بها في هذا المذهب؟ ليس أكثر إمكانا في الواقع أن يمر بالتماسات من خلال الأشياء الشفافة منه في خلال المسام إذا كانت المسام كلها مليئة، فأين يكون الفرق إذن بين أن يكون لها مسام وبين ألا يكون لها ألبتة ما دام أن الكل سيكون مليئا على السواء؟ بل إذا كانت هذه المسام ذواتها مفترضة خالية وإذا كان فيها أجسام، فحينئذ تعود الصعوبات أنفسها. ولكن إذا افترض أن المسام ذوات امتدادات صغيرة بحيث لا تستطيع بعد أن تقبل أي جسم اتفق، فإن من سفه الرأي أن يتصور أن الصغير خال وأن الكبير ليس كذلك، مهما كانت سعته، وأن يتمشى بالاعتقاد إلى أن الخلو هو شيء آخر غير مكان الجسم، بحيث إنه - كما هو بين ذاته - يلزم أن يكون الخلو دائما على مقدار مساو للجسم نفسه.
نامعلوم صفحہ