16
إذن فانظر كيف نوضح لماذا بعض الأشياء يكون بطريقة مطلقة، وكيف أن البعض الآخر لا يكون لا بطريقة مطلقة ولا أصلا حتى في الجواهر أعيانها. وقد قلنا أيضا لماذا الموضوع من حيث هو مادة هو علة الكون المستمر الأبدي للأشياء؛ نظرا إلى أنه يمكن على السواء أن يتغير في الأضداد، وأنه بالنسبة للجواهر كون ظاهرة هو دائما فساد لأخرى وبالتكافؤ أن فساد هذه كون لتلك.
17
على أنه لم يبق محل لأن يتساءل لماذا أن هذا الفساد الدائم للموجودات هو الذي يجعل أن شيئا يمكن أن يكون؛ لأنه كما يقال إن شيئا هو فاسد مطلقا حينما يمر إلى اللامحسوس وإلى اللاموجود كذلك يمكن أن يقال إنه يكون ويأتي من اللاموجود متى أتى من اللامحسوس، والنتيجة أنه سواء أكان هناك موضوع أو لا أم لم يكن فإن الشيء يأتي دائما من العدم، بحيث إن الشيء في آن واحد حين يكون يأتي من اللاوجود وحين يفسد يعود إلى اللاوجود أيضا، وهذا هو الفاعل في أنه ليس يوجد انقطاع ولا خلو؛ لأن الكون هو فساد اللاوجود والفساد هو كون العدم.
18
ولكن قد يتساءل عما إذا كان هذا اللاموجود المطلق هو ثاني الضدين، ومثلا لما أن الأرض وكل ما هو ثقيل هو اللاموجود إذا كانت النار وكل ما هو خفيف هي أو ليست هي الموجود. ولكن يمكن أن يقال أيضا إن الأرض هي الموجود وإن اللاموجود هو مادة الأرض كما أنه هو مادة النار على السواء، ولكن هل مادة أحد هذين العنصرين ومادة الآخر هي إذن مختلفة؟ وهل من المحال أن يأتي أحدهما من الآخر كما هو الحال في الأضداد؛ لأن النار والأرض والماء والهواء لها أضداد، أو هل أن مادتها هي واحدة من وجه؟ وهل ليست مختلفة إلا من وجه آخر؟ لأن ما هو موضوع من وجه ومن آخر هو واحد، ولكن شكل الوجود هو وحده الذي ليس واحدا. على أننا نقف عند ما قلناه في هذا الموضوع.
19
هوامش
الباب الرابع
يجب الآن توضيح بماذا يختلف الكون والاستحالة؛ لأننا نرى أن هذين التغيرين للأشياء هما متميزان تماما أحدهما من الآخر نظرا إلى أن الموضوع الذي هو كائن حقيقي والتكييف الذي هو طبعا محمول على الموضوع هما في غاية الاختلاف، وأنه يجوز أن يقع التغير بأحدهما وبالآخر.
نامعلوم صفحہ