الذكر لا يستلزم التقديم في الفضل. قلت: وهذا الرجل وإن كان من الموالي المحققين، فأنت خبير بما اشتملت عليه سيرته من الدعوى، والحسد، وعدم الرضا من زمانه.
وذكر صاحب الشقائق عن والده أنه دخل مع ابن الخطيب حين كان يقرأ عليه وهو متقاعد عن المناصب إلى السلطان أبي يزيد خان - رحمه الله تعالى في يوم عيد، فلما مر مع موالي بالديوان والوزراء جالسون سلم المولى بن فضل الله، وكان مفتيًا في ذلك الوقت عليهم، فضرب ابن الخطيب في صدره بظهر يده، وقال: هتكت عرض العلم، وسلمت عليهم أنت مخدوم، وهم خدام سيما وأنت رجل شريف. قال: ثم دخل ونحن معه، فاستقبله سبع خطوات، وسلم عليه وما انحنى له، وصافحه ولم يقبل يده، وقال للسلطان: بارك الله لك في هذه الأيام الشريفة، ثم سلم ورجع. قلت: قد اشتملت هذه الحكاية على أمور بعضها معروف، وبعضها منكر، فأما ترك حنائه للسلطان، وتقبيل يده، فمن السنة، وأما إنكاره على المفتي السلام على الوزراء، وأهل الديوان ولومه على ذلك، وضرب يده في صدره، فجرأة وقلة أدب وخطأ ظاهر، ولابن الخطيب من المؤلفات حواشي على شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على حاشية الكشاف للسيد أيضًا وغير ذلك، وكانت وفاته في سنة إحدى تسعمائة عفا الله تعالى عنه.
٣٤ - محمد بن جماعة: محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة، ابن حازم بن صخر، الشيخ الإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة، خطيب الخطباء نجم الدين أبو البقاء ابن قاضي القضاة برهان الدين ابن قاضي القضاة، شيخ الإسلام جمال الدين بن جماعة الكناني، المقدسي، الشافعي، سبط قاضي القضاة سعد الدين الديري - رحمهم الله تعالى - ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين ثمانية بالقدس الشريف، ونشأ به، واشتغل في صغره بالعلم على جده وغيره، وأذن له قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهةً، حين قدم إلى القدس الشريف، وتعين في حياة والده وجده، ولما توفي جده كان والده حينئذ قاضي القضاة الشافعية، فتكلم له في تدريس الصلاحية عند الملك الظاهر خشقدم، فأنعم له بذلك، ثم عن للقاضي برهان الدين أن يكون التدريس لولده الشيخ نجم الدين، لاشتغاله هو بمنصب القضاء، فراجع السلطان، فأجاب، وولى نجم الدين تدريس الصلاحية، فباشرها أحسن مباشرة وحضر معه يوم جلوسه قاضي القضاة حسام الدين بن العماد الحنفي قاضي دمشق، وكان إذ ذاك ببيت المقدس جماعة
1 / 24