160

عن تقرير التنمية البشرية في بلادنا

اشتغلت بالأمم المتحدة لمدة عامين «من 1987 إلى 1980»، مستشارة لبرامج المرأة العربية والأفريقية في اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة في بيروت وفي أديس أبابا، وأدركت في هذين العامين زيف مشاريع التنمية التي تقوم بها الأمم المتحدة، وقد دلت التقارير على تزايد الفقر في بلادنا العربية والأفريقية مع تزايد مشاريع التنمية، بما فيها المشاريع الخاصة بالنساء؛ ولهذا السبب قدمت استقالتي من الأمم المتحدة، وعدت إلى مصر لأكتب الروايات والقصص الأدبية، أفضل من العمل في مشاريع فاشلة.

وإذا كانت الأمم المتحدة قد أصبحت منظمة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، مثل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، إلى الحد الذي أصبحنا نسميها اليوم «الأمم المتحدة الأمريكية»، فهل يمكن لهذه المنظمة التابعة أن تفعل شيئا مستقلا عن الفكر الأمريكي المهيمن على العالم؟

وإذا كانت الأمم المتحدة هي التي شرعت استخدام القوة العسكرية الأمريكية لضرب العراق في حرب الخليج يناير 1991، وهي التي تتخلى اليوم عن مناصرة الشعب الفلسطيني الذي يذبح أمام عيونها كل يوم، ومع ذلك تظل عاجزة عن فعل أي شيء، بل إنها تتراجع عن إنصاف الشعب الفلسطيني بسبب الاعتراض الأمريكي، ويتخلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة عن واجبه الأول؛ وهو مطالبة إسرائيل بإيقاف المذابح الجارية لسكان الضفة الغربية وغزة والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، حسب قرارات الأمم المتحدة ذاتها.

وهل يمكن فصل قرارات مجلس الأمن عن تقارير الأمم المتحدة فيما يخص التنمية الإنسانية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في عالمنا العربي؟!

إلا أن بعض النخب العربية والمصرية ينظرون إلى تقرير الأمم المتحدة عن التنمية في بلادنا كأنه «كتاب مقدس» أو على الأقل كتقرير علمي موضوعي غير خاضع للفكر الأمريكي ومؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية. (1) خضوع للمنطق الأمريكي

لقد دهشت: كيف يخضع أغلب النخب في بلادنا للمنطق الأمريكي - الإسرائيلي - الذي يرى أن تخلفنا الاقتصادي وهزائمنا المتكررة ترجع إلى خطأ في الشعوب العربية نساء ورجالا، لماذا؟ لأننا عجزنا عن مواكبة عصر الإنترنت، والكمبيوتر! إن مقياس التقدم في تقرير الأمم المتحدة هو كم رجلا وامرأة يمتلكون الكمبيوتر؟ وكم منهم يستخدمون الإنترنت؟ (نصف في المائة فقط من الشعوب العربية)، ومقياس آخر هو: كم عدد الكتب التي ترجمت إلى اللغة العربية، فقط 330 كتابا مترجما سنويا في العالم العربي؛ أي خمس ما تترجمه اليونان، ومقياس آخر هو وجود 65 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة أغلبهم نساء «الثلثان»، رغم أن تعليم النساء العربيات - حسب التقرير - ذاته تضاعف ثلاث مرات، هذا الذي لم تنتج عنه معرفة أو مهارات للعمل في السوق الحرة والانفتاح على العالم أو السير مع العولمة، هذا هو الجانب البارز في التقرير، والذي أبرزه أكثر الإعلام الأمريكي والعربي وبعض الصحف المصرية، وهو يصور جزءا من الحقيقة فقط .

وربما تكون مجلة «النيوزويك» الصادرة في 16 يوليو 2002 باللغة العربية نموذجا للإعلام الأمريكي الذي يروج لفكرة أن الخطأ فينا نحن الشعوب العربية، أو الخطأ في الحكومات العربية المستبدة بشعوبها، والعاجزة عن منحها الحريات السياسية والاجتماعية، وقد أفردت هذه المجلة (في ذلك العدد 16 يوليو)، مساحة كبيرة لعرض تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في العالم العربي تحت عنوان: «انبعاث جديد»، ونشرت صورة ضخمة على صفحة ونصف الصفحة «ص12 و13» تصور مظاهرة من الشباب العربي، وتحت الصورة هذه عبارة «حريات سياسية مفقودة ... بعض الحكومات العربية تكفل حرية التظاهر ضد إسرائيل، ولكن هل هناك حرية للتظاهر ضد الحكومات العربية نفسها؟!» (2) انبهار بتقرير «نيوزويك»

من هذه العبارة والصورة يحاول الإعلام الأمريكي توجيه الشعوب العربية للتظاهر ضد الحكومات المحلية وليس ضد إسرائيل، وهذا أمر منطقي لأن الإعلام الأمريكي يخدم السياسة الأمريكية لإدارة جورج الابن الذي يؤيد عدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ويستخدم حق الڨيتو في الأمم المتحدة للاعتراض على أي قرار ينصف الشعب الفلسطيني، وتم اعتماد 2000 مليون دولار أمريكي مكافأة أو مساعدات إضافية لإسرائيل بعد مذبحة غزة الأخيرة تحت اسم محاربة الإرهاب الفلسطيني!

مع ذلك فإن بعض النخب العربية والمصرية تنظر إلى موضوع «النيوزويك» عن تقرير التنمية في بلادنا كأنما هو الحقيقة العلمية أو الموضوعية، وفي جريدة «الأهرام» الصادرة بالقاهرة في أول أغسطس 2002 ص11، نشر كاتب مصري مقالا تحت عنوان: «محاسبة الذات» مشيدا بما جاء في «النيوزويك» ويقول الآتي: «من الصعب على الإنسان العربي بعد قراءة هذا التقرير أن يظل على منطق تحميل الغير مسئولية نكباته وتخلفه.»

نامعلوم صفحہ