کاشف امین
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
اصناف
وأما الطول والعرض والعمق، فهي ذات الإنسان وذات جميع الأجسام، فكيف يجعلها من أحوال الإنسان ويسردها فيما هو خاص به مع أن الأحوال هي الصفات العارضة، ولا بأس أن في ذلك دلالة على الله تعالى ولكن الكلام السامج المتنافر أبعد في القبول من البليغ المتناسب.
وأما الرضى والغضب، فيقال فيهما كما قيل في الكلام.
وأما البياض والحمرة والسواد، فكان حقه أن يذكر الخمسة الألوان بأن يذكر مع ذلك الخضرة والصفرة، فإن قيل: لأجل الاختصار. قلنا: كان الأنسب بالاختصار أن يقول ولون فيعمها بأحصر لفظ، وفيه من البديع ما لا يخفى كالموازنة للألفاظ التي قبله وبعده، والإيجاز حيث ينوب اللفظ الواحد عن الخمسة الألفاظ الموضوعة للخمسة الألوان، وما يتفرع منها كالفاقع واليقق والحالك ونحوها.
وأما استدلاله بالعلم والجهل، فلا يستقيم أحدهما دليلا على إثبات الصانع تعالى إلا إذا أريد بالعلم العلم بالعشر الضروريات التي هي علوم العقل من حيث خلقها الله في المكلف، فكان يلزم ذكرها بخصوصها لا ذكر جنسها الأبعد، لأن جميع العلوم الدينية الأصولية والفروعية والتفسبر والحديث والفرائض والنحو واللغة ونحوها لا يثبت كونها حقا ودينا إلا بعد معرفة الصانع تعالى والإقرار بثبوته، فكيف نجعل دليلا على ثبوته، والعلوم الدنيوية كالهندسة والمساحة والصناعات والحراثات والنجارات ونحوها لا دلالة فيها على إثبات الصانع تعالى لاشتراك الخلق فيها وهم بين مثبت للصانع وناف له.
وأما الجهل، فالاستدلال به أعجب وأغرب، وعن الصواب أعزب لأنه نوعان بسيط ومركب، فالبسيط: عدم العلم بالشيء والعدم ليس دليلا على إثبات شيء، ويلزم منه أن في جهل من جهل الصانع تعالى ونفاه سبحانه أو لم يخطر بباله نفي ولا إثبات أن في ذلك دلالة على إثبات الصانع، فيصير كالاستدلال على وجود الغنى بوجود الفقر في شخص واحد.
صفحہ 96