وأما الطرف الثاني: وهو الحكم على من أبى منهم وخالف الحق بعدم العدالة، فالذي يدل على ذلك أنهم داخلون في عموم خطابات القرآن القاضية بالوعيد والذم لأهل الكبائر بل هم أول من خوطب وكلف بها، وقد قال تعالى في شأنهم: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} [الفتح:10]، وقال مخاطبا لهم ومن بعدهم: { ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا} [الفرقان19]، وقال مخاطبا لهم خاصة: { ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات:2]، وقال { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} [الأحزاب:36]، ولم يفصل بين صحابي ولا غيره، وقال: { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة} [النور:23]، وقال: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} [النور:4]، ولم يفصل بين صحابي ولا غيره، وأحاديث الذين يحلون عن الحوض ممن صحبه صلى الله عليه وآله وسلم وأحدثوا بعده قد رواها الموالف والمخالف، وحديث: " تقتل عمارا الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار "، رواه أيضا الموالف والمخالف بل قد عده كثير من العلماء من المتواتر، فبطل قول الأشعرية ومن وافقهم في الحكم بالعدالة لكل فرد من الصحابة من دون استثناء من أبى وخالف الحق، حتى حكموا بنجاة من حارب أمير المؤمنين عليه السلام وعدالته ووجوب موالاته، وقد جعل الله سبحانه وتعالى أمير المؤمنين عليه السلام علم الإيمان ومنار الهدى والحجة على هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل محبته إيمان وبعضه نفاق، ومحبته محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبغضه بغضا له، وسبه سبا له، وحربه حربا له، وجعله بمنزلة رأسه من جسده، ووردت التفاسير بأنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آية المباهلة، فما حكم من حارب رسول الله وبغضه وسبه ؟ وكذلك جعله منه بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام، فما حكم من حارب موسى وهارون أو سبهما أو بغضهما ؟ وجعل صلى الله عليه وآله وسلم الحق مع علي وعليا مع الحق حيثما دار دار معه، وجعله مع القرآن والقرآن معه، فما حكم من خالف الحق وخالف القرآن ؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال، وما في مخالفة القرآن إلا الكفر والخبال، وهذا مع ما لأمير المؤمنين عليه السلام من الدخول في عموم الآيات والأحاديث القاضية بوجوب متابعة أهل البيت عليهم السلام والثناء عليهم وتطهيرهم من الرجس، ونجاة من تابعهم، وهلاك من خالفهم، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرف وهوى "، وفي رواية: هلك، وفي رواية: زج في النار، وأحاديث: إني تارك فيكم الثقلين، فإن أنكر المخالف التلازم واستواء الحكم بين محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبه وبغضه، وبين محاربة أمير المؤمنين عليه السلام وسبه وبغضه، وأنكر أن محبته إيمان وبغضه نفاق، وأنه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة رأسه من جسده، وبمنزلة نفسه، وأنكر أن الحق والقرآن معه مع علمه ونقله وروايته لهذه الأحاديث كان مشاققا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث صار يحكم لمن حاربه وسبه وبغضه بنقيض ما قضت به الآيات والأحاديث المذكورة، وإن أنكر صحتها وورودها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد باهت في رده المتواتر الذي أطبق على روايته الموالف والمخالف، وإن أنكر دلالتها على ما ذكرنا من الأحكام التي ثبتت لأمير المؤمنين عليه السلام من أن حربه حربا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسبه سبه، وبغضه بغضه، وأن مخالفه مخالف للحق والقرآن، فهو جهالة مفرطة وتعامي عن الحق بعد وضوحه، لأن تلك الأحاديث صريحة في تلك المعاني بحيث لا تحتمل غيرها، وإن تأولها وأخرجها عن معانيها المصرحة بها بغير دلالة ولا موجب سوى تحسين الظن بمن عدوه في الصحابة وهو عنهم بمكان بعيد، فليس ذلك إلا من باب اتباع الهوى والمجادلة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [القصص:50].
صفحہ 36