يساهمه في الخصلة التي يفاخر بها ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين أما الآخرة فلا ضيق فيها وإنما مثلها مثل العلم فإن من عرف الله تعالى وملائكته وأنبياءه وملكوت أرضه وسمائه لم يحسد غيره إذا عرف ذلك أيضا لأن المعرفة لا تضيق على العارفين بل المعروف الواحد يعرفه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ به ولا ينقص لذة واحدة بسب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الإفادة والاستفادة فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة لأن مقصدهم بحر واسع لا ضيق فيه وغرضهم المنزلة عند الله ولا ضيق أيضا فيه بل يزيد الأنس بكثرتهم نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال والجاه تحاسدوا لأن المال أعيان وأجسام إذا وقعت في يد واحد خلت عنه يد الآخر وكذلك الجاه إذ معناه ملك القلوب ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الآخر أو نقص منه لا محالة فيكون ذلك سببا للمحاسدة وأما العلم فلا نهاية له ولا يتصور استيعابه فمن بذل جهده في تحصيله وأشغل نفسه
صفحہ 63