قد اعْترض على هَذَا الحَدِيث بعض الرافضة فَقَالَ: لَا يَخْلُو أَن يكون هَؤُلَاءِ كفَّارًا أَو مُسلمين: فَإِن كَانُوا كفَّارًا فَكيف قَالَ: لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فَجعل عِلّة قِتَالهمْ ترك الزَّكَاة لَا الْكفْر؟ ثمَّ كَيفَ يشكل قتال الْكفَّار على عمر؟ وَإِن كَانُوا مُسلمين فَكيف اسْتحلَّ قَتلهمْ، وَسبي ذَرَارِيهمْ؟ كَيفَ قَالَ: لَو مَنَعُونِي عنَاقًا - أَو عقَالًا - والعناق والعقال لَا يؤخذان فِي الزَّكَاة؟ ثمَّ كَيفَ يَقُول عمر: رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ، فَعرفت أَنه الْحق، وَظَاهر هَذَا أَنه وَافقه بِلَا دَلِيل؟
وَالْجَوَاب: أَن أهل الرِّدَّة فِي زمن أبي بكر انقسموا فرْقَتَيْن: ففرقه عَادَتْ إِلَى الْكفْر، وهم المذكورون فِي قَوْله: وَكفر من كفر من الْعَرَب. وَفرْقَة فرقت بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فأقرت بِالصَّلَاةِ دون الزَّكَاة، فَهَؤُلَاءِ بغاة، غير أَنهم لم يسموا بذلك لدخولهم فِي فريق الْمُرْتَدين، فأضيف الِاسْم إِلَى الرِّدَّة لكَونهَا أعظم الْأَمريْنِ.
وأرخ مبدأ قتال الْبُغَاة بأيام عَليّ ﵇، إِذْ كَانُوا فِي زَمَانه منفردين لم يختلطوا بالمشركين. وَإِنَّمَا سميناهم بغاة لقرب الْعَهْد وجهلهم بِأَمْر الشَّرْع، بِخِلَاف مَا لَو سعت الْيَوْم طَائِفَة تجحد الزَّكَاة، فَإِنَّمَا نسميها كَافِرَة لَا باغية؛ لِأَن وجوب الزَّكَاة قد استفاض. وَفِي أَحْوَال أُولَئِكَ الْبُغَاة وَقعت الشُّبْهَة لعمر، فراجع أَبَا بكر تعلقا بِظَاهِر لفظ الرَّسُول قبل أَن يتَأَمَّل الْمَعْنى. فَقَالَ أَبُو بكر: إِن الزَّكَاة حق المَال، يُفَسر لَهُ قَول النَّبِي ﷺ: " إِلَّا بِحقِّهِ " فَبَان الدَّلِيل لعمر، فَوَافَقَ لذَلِك لَا بالتقليد، وَهُوَ المُرَاد بقوله: فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله شرح صدر
1 / 26