بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي أحسن إِلَيْنَا إِذْ أنزل علينا أحسن الحَدِيث، ووسم أَئِمَّة أمتنَا: أهل الْفِقْه والْحَدِيث، وَجعل نقاد الروَاة يعْرفُونَ وضع الغواة ويميزون الطّيب من الْخَبيث. أَحْمَده على رجولية الْفَهم، وَأَعُوذ بِهِ من التخبيث، وأشكره على وراثة الْعلم، وأسأله حفظ الْمَوَارِيث، وأستغيث بِزِيَادَة إنعامه وَإِن كنت لَا أستبطئه وَلَا أستريث. وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد أفضل الْأَنْبِيَاء من لدن آدم وشيث، وَصلى على أَصْحَابه وَأَتْبَاعه مَا أُجِيب مطر أَو غيث.
أما بعد: فَإِن الله تَعَالَى حفظ كتَابنَا بِمَا لم يحفظ كتابا قبله، فَقَالَ ﷿ فِي الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة: ﴿بِمَا استحفظوا من كتاب الله﴾ [الْمَائِدَة: ٤٤] وَقَالَ فِي كتَابنَا: ﴿وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ [الْحجر: ٩] . ثمَّ أنعم علينا بِحِفْظ المنقولات عَن نَبيا ﷺ، فألهم الْعلمَاء جمع ذَلِك، والطلاب الْجد فِي طلبه، حَتَّى سافروا الْبلدَانِ، وهجروا الأوطان، وأنفقوا فِي حفظ ذَلِك قوى الْأَبدَان، وَأقَام جهابذتهم يفتقدون وينتقدون، فيرفعون التحريف ويدفعون التخريف. فَمضى على ذَلِك كثير من الزَّمن، إِلَى أَن لحق ساعي الرغبات الزَّمن، وشيد فتور الهمم فِي طلب الْعلم إِلَى أَن درس، وَصَارَت صبابته الْبَاقِيَة فِي آخر نفس، فَأَما الطَّالِب لَهُ فِي زَمَاننَا فقد فُقِد، والمتصدر يَقُول وَلَا يعْتَقد.
1 / 5