لن نتخلى عن هذه المسألة ما دمنا مهيئين وقادرين على الكفاح في سبيل تحقيق رغباتنا. إن الإنكليز والعرب لا يتمكنون من حل قضية فلسطين بينهم. أنا لا أقلل من قيمة قوتهم، ولا أحط من قيمة قوة الحركة العربية ومقاومتها لنا، وليس من الضروري أن أذكر أنني لا أستبعد احتمال غدر إنكلترا بنا، أو الحط من قوة الإمبراطورية البريطانية.
لو كان الأمر بين إقامة الدولة اليهودية أو وجود الأسطول البريطاني لفاز الأسطول، ولكن لحسن الحظ أنه في مستقبل هذه البلاد القريب لا يتعارض وجود الأسطول مع وجودنا. إن مصالح إنكلترا في هذه البلاد ليست مصالح حياة أو موت، ونمونا في هذه البلاد لا يعني تحطيم الإمبراطورية، بل المحتمل عكس ذلك بالرغم من رأي خصومنا في إنكلترا. «لا يتمكن الإنكليز أو العرب من الوقوف ضدنا» إذا وقفنا حراسا لقضيتنا؛ إذ بالإضافة إلى قوتنا «لنا أصدقاء وأنصار في دوائر هامة واسعة في إنكلترا»، ومن الممكن في داخل الحكومة أيضا، ولا يخضعنا غير استسلامنا وخوفنا، وإذا استسلم كبارنا وأغنياؤنا ورجالنا العمليون والأذكياء، فعندئذ ينهض شبابنا، شبابنا في الروح والعمر، فيكافحون. وبهذا الشباب أنا واثق وإليه مطمئن، ولهذا السبب لست متشائما رغم نظرتي السوداء للوضع الحالي؛ ولهذا السبب أخاف «اللاحل» أكثر من الحل السيئ. حقيقة إن الصحافة الإنكليزية تكتب عن خطر عدم حل القضية، ولكن لا يمكننا أن نتصور أن الإنكليز لن يقرروا شيئا. وعلى كل حال، فإن الأسابيع القليلة القادمة تكشف لنا الأمر.
لا تفاهم
تكلمت عن خطرين، وهناك خطر ثالث ممكن وقوعه، وهو محاولة إخضاعنا لتفاهم يهودي-عربي. إن التفاهم اليهودي العربي هو في الحقيقة حل مثالي ومرغوب فيه جدا. وفي كل المدة التي قضيتها عضوا في اللجنة التنفيذية الصهيونية حاولت أن أصل إلى مثل هذا التفاهم، ونظرت إلى كل الطرق والوسائل لتحقيقه. في وقت الازدهار عندما كانت الهجرة واسعة وعظيمة، وقوتنا في البلاد تسير إلى الأمام بخطوات سريعة، وفي أوقات الاضطرابات جربت أن أتفاوض مع زعماء العرب، وفتشت عن طريق للوصول إلى اتفاق مشترك، ولكن في الوقت الحاضر، وبعد عشرين شهرا من التقتيل والاضطرابات، وفي الوقت الذي سقط فيه من الضحايا مئات منا وآلاف
3
من العرب، ومنيت مزارعنا بالخسائر الفادحة، وتحطمت اقتصاديات العرب في البلاد إلى درجة تكاد تكون كلية، وفي الوقت الذي نمت فيه كراهية العرب - في هذا الوقت وبعد كل هذا - من الصعب علي أن أتصور أن العرب يقبلون الشروط التي توافقنا.
فلسطين لا تكفيهم
في هذه الأحوال الحاضرة أرى أن التفاهم غير ممكن إلا بعد خلق الدولة اليهودية، عندما يدرك العرب أننا أصبحنا قوة، وأنهم - أي العرب - لا يتمكنون من الاستهانة بوجودنا وقوتنا ونشاطنا، وأن عندنا شيئا نقترحه عليهم، وعندئذ فقط يمكن وضع الأسس لخلق تفاهم يهودي عربي.
وهذا سبب من الأسباب التي تجعلني أدعو إلى خلق دولة يهودية في قسم من هذه البلاد ؛ لأنني لا أرى في هذه الدولة الهدف النهائي للصهيونية، ولكن الواسطة لتحقيق الصهيونية، فعندما تكون لنا دولة نكون قادرين على التفاوض مع العرب حول إنشاء اتحاد عربي يضم فلسطين في الشروط التي تضمن لنا الحرية في التوطن في كل أجزاء البلاد.
4
نامعلوم صفحہ