نفرت اور دوستی، شاعری، محبت اور شادی

محمد عبد النبي d. 1450 AH
69

نفرت اور دوستی، شاعری، محبت اور شادی

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

اصناف

نادرا ما كانت تطرح أي فكرة تخص الأحاديث العامة، وفي الحقيقة كان يسود شعور بأنه إذا تجاوز الحديث حدودا مفهومة بعينها، فقد يعد مثيرا للضيق أو بمنزلة تباه واستعراض. لم يكن من الممكن الاعتماد على فهم أمي لتلك الحدود، فأحيانا كانت لا تطيق الانتظار حتى يتوقف محدثها أو تحث الضيف على استكمال حديثه. وهكذا، إذا ما قال أحدهم: «لقد رأيت هارلي في الشارع يوم أمس.» فقد كانت في الأغلب تقول: «هل تظن أن رجلا مثل هارلي أعزب عن قصد وعمد؟ أم أنه فقط لم يلتق السيدة المناسبة له؟»

كما لو أنك، حين تذكر عرضا أنك رأيت شخصا ما، مطالب بأن تقول شيئا إضافيا إلى جانب ذلك، شيئا مثيرا للاهتمام.

عندئذ قد يحط الصمت، ليس لأن الأشخاص الجالسين إلى المائدة يقصدون أن يكونوا وقحاء معها؛ بل لأنهم وقعوا في حيرة. إلى أن يقول أبي بإحراج وتوبيخ موارب: «إنه يبدو على خير حال «وحديه».»

لو أن أقاربه لم يكونوا حاضرين، فأغلب الظن أنه كان سينطقها صحيحة «وحده».

ثم يواصل الجميع التقطيع بالسكاكين والغرف بالمعالق والازدراد، أمام بريق مفرش المائدة النظيف، والضوء الساطع الساقط علينا من النوافذ التي تم مسحها حديثا، فدائما ما كانت مآدب العشاء تلك تقام في منتصف النهار.

كان الجالسون إلى تلك المائدة قادرين تماما على الحديث، فبينما كانت العمتان تساعدان في غسل الصحون وتجفيفها، في المطبخ، كانتا تتحدثان بشأن من أصيبت بورم، وعفونة الحلق، وكمية سيئة من البثور. كانتا تتحدثان حول مدى كفاءة أجهزتهن الهضمية، والكلى، والأعصاب. لم يبد على الإطلاق أن ذكر شئونهن الجسدية الحميمة أمر في غير محله، أو موضع شك، مثل ذكر موضوع قرأه شخص في مجلة، أو موضوع من موضوعات الأخبار؛ كان من غير اللائق على نحو ما إبداء الاهتمام بأي شيء ليس في متناول اليد. وفي أثناء ذلك، وبينما كان زوجاهما يستريحان في الرواق الخارجي للمنزل، أو خلال تمشية قصيرة بالخارج للتمتع بالنظر إلى المحاصيل، قد تتبادلان معلومات بأن الشخص الفلاني يمر بضائقة وأزمة مع البنك، أو ما زال مديونا بالمال مقابل ماكينة باهظة الثمن، أو استثمر ماله بشراء ثور تبين أنه بلا نفع في العمل.

لعل الأمر أنهم كانوا يشعرون جميعا بأن رسميات غرفة السفرة تلجمهم؛ حضور تلك الصحون الصغيرة المخصصة للخبز والزبد ومعالق تناول الحلوى، في حين كان المعتاد في أزمنة أخرى هو وضع قطعة الفطيرة فوق طبق العشاء ذاته بعد تنظيفه بالخبز. (ومع ذلك، ستكون إهانة إن لم يتم تنظيم أدوات المائدة بهذه الطريقة اللائقة؛ ففي مثل تلك المناسبات كانوا يفعلون الأمر عينه في منازلهم، ويعاملون ضيوفهم بالطريقة اللائقة ذاتها.) وربما كل ما هنالك أن الأكل كان شيئا، والتحدث كان شيئا آخر.

أما حين كانت تأتي ألفريدا تصير القصة مختلفة كلية. نعم، نفرد المفرش الجيد على المائدة، ونخرج الصحون الجيدة كذلك، وتخوض أمي عناء كبيرا لإعداد الطعام وتكون متوترة بشأن النتائج، والأغلب أنها كانت تستبعد الفكرة المعتادة المتمثلة في ديك الحبش المحشو إلى جانب البطاطس المخفوقة، وتعد شيئا من قبيل سلطة الدجاج المطوقة بتلال صغيرة من الأرز المقولب مع شرائح الفلفل الحلو، ثم تتبع ذلك أطباق حلوى معدة من الهلام وبياض البيض والكريمة المخفوقة، وهي ما تحتاج لإعدادها لوقت طويل ومحطم للأعصاب؛ لأننا لم نكن نملك ثلاجة، ولا بد من تبريدها في الطابق التحتي الخاص بالقبو. لكن على المائدة ذاتها، لم يكن هناك وجود لذلك القيد الضاغط والجو الكئيب المخيم؛ فلم تكن ثمة حاجة لعرض حصة أخرى من الطعام على ألفريدا، فهي لم تكن فقط تقبلها ببساطة، بل كانت تطلبها بنفسها، وكانت تفعل ذلك دون انتباه له تقريبا. ودون انتباه كذلك كانت ترمي بعبارات المجاملة والاستحسان، كما لو أن مسألة تناول الطعام ليست سوى أمر ثانوي، وإن كان الطعام مستطابا، وكأنها لا تجلس هناك في الحقيقة إلا لتتحدث، وتشجع الآخرين على الحديث، وأي شيء تود الحديث عنه - أي شيء تقريبا - سيفي بالغرض.

دائما ما كانت تزورنا صيفا، وغالبا ما كانت ترتدي نوعا من فساتين الصيف الحريرية المقلمة، بلا أكمام، وبشريط يلتف حول الرقبة من الثوب فيترك ذلك ظهرها عاريا. لم يكن ظهرها جميلا، بل كان مبقعا بشامات صغيرة داكنة اللون، وكتفاها كانتا نحيفتين كالعظام، وصدرها يكاد يكون مسطحا. ودائما ما أبدى أبي ملاحظاته حول كيف كانت تأكل كثيرا، وعلى الرغم من ذلك تظل نحيفة. أو يبدل رأيه بسرعة بالانتباه إلى أن شهيتها انتقائية كما كانت على الدوام، ولكنها ما زالت غير معصومة من مراكمة الدهون. (لم يكن من غير اللائق في أسرتنا التعليق بشأن البدانة، أو النحافة، أو الشحوب، أو التورد، أو الصلع.)

كانت ترفع شعرها في لفائف فوق وجهها وعلى الجانبين، على صيحة تلك الفترة . كانت بشرتها تنضح بدرجة من اللون البني، مغزولة بشبكة رقيقة من التجاعيد. أما فمها، بشفته السفلى الغليظة، الساقطة تقريبا، فكانت تلونه بطلاء شفاه قوي اللون دائما ما يترك أثرا على فنجان الشاي وقدح الماء. وحين ينفتح فمها على اتساعه - وهو ما كان الحال على الدوام، سواء أكانت تتحدث أم تضحك - يمكن للمرء أن يرى أن بعض ضروسها في الخلف قد تم خلعها. لم يكن بوسع أحد القول إنها كانت جميلة - وبالنسبة لي فإن أي امرأة قد تعدت الخامسة والعشرين من عمرها قد تجاوزت تماما إمكانية أن تكون جميلة، وتكون قد فقدت الحق في أن تبدو جميلة، وربما حتى فقدت رغبتها في ذلك - غير أنها كانت متوهجة ومنطلقة. قال أبي في مراعاة إنها كانت مفعمة بالحيوية.

نامعلوم صفحہ