الباب الأول: في الفصاحة والشعر
قال أبو إسحاق: الفصاحة ميدان لا يُقطع إلا بسوابق الأذهان، ولا يُسلكُ إلا ببصائر البيان. كما أن البلاغة كنزٌ لا
يصل إليه إلا الجَهابِذة الحذَّاق، ولا يُتناول وبالأيدي، ولا يُبْصَر بالأحداق. ووجْه البلاغة للبليغ سافرٌ،
ومعناها له واضح ظاهر.
والبليغ من تشكو يده سرعة خاطِره، ويغمُر الدُّرُّ أرض قرطاسه بمواطرِه؛ إن دعا البيان أجابهُ
طائعًا، وانثال عليه من كلِّ فجّ طالعًا، فإن أطال في الخطاب، ملك أعِنَّة القلوب بالصواب، وإن أوجز
واختصر، لم يخل بالمعنى المراد ولا قصَّر، فأسمع باللفظ الفصيح، حقيقة المعنى الصحيح.
وخير ماأوتي المرءبعد عقل راجح ودين صالح، خلقٌ رضيّ، وأدبٌ وضيّ، وذكاءٌ في جَنَانِه،
وفصاحةفي لسانه. فمن تجمَّعَت فيه هذه الخصال، سلِم من آفات الجهال، وعدل عن المحال، وفاز
بنَيْل الكمال، ونَسَقَ روائق الألفاظ نَسْقًا، وملك رقاب المعاني رِقاَّ. ولاشيء أحسن من ذهنٍ ثاقب،
ومنطقٍ صائب.
1 / 78