وقد ابان الله تعالى ذلك فقال * (ولو شاء الله لجعل الناس امه واحدة) * وقال تعالى * (ولو شئنا لاتينا كلا هديها) * وإنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا فلم يات بحرف بعد هذا (فصل) اعلم ايدك الله تعالى ان جناية المجبرة على الاسلام كثيرة وبليتها على الامة عظيمة بحملها المعاصي على الله تعالى وقولها انه لا يكون إلا ما اراده تعالى وانه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره ولا سبيل للفاسق الى ترك فسقه وان الله تعالى قضى بالمعاصي على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليعاقبهم عليها وقضى بالطاعات على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليثيبهم عليها وهذا الاعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على فعل الطاعة والاجتهاد والاجتناب عن المعصية لانه يرى ان اجتهاده لا ينفع وحرصه لا يغني بل لا اجتهاد في الحقيقة ولا حرص لانه مفعول فيه غير فاعل وموجد فيه غير موجد ومخلوق لشئ لا محيد له عنه ومسبوق لامر لا انفصال له منه فاى خوف مع هذا يقع وأي وعيد معه ينفع نعوذ بالله مما يقولون ونبرا إليه مما يعتقدون وانشدت لبعض اهل العدل (شعر) (سالت المخنث عن فعله) (علام تخنث يا ماذق) (فقال ابتلاني بدائى العضال) (واسلمني القدر السابق) (ولمت الزناة على فعلهم) (فقالوا بهذا قضى الخالق) (وقلت لاكل مال اليتيم) (الؤما وأنت امرؤ فاسق) (فقال ولجلج في قوله) (اكلت واطعمني الرازق) (وكل بخيل على ربه) (وما فيهم أحد صادق) (فصل) اعلم ايدك الله تعالى قد يعبر عن نفى الفعل بنفى الاستطاعة توسعا ومجازا فيقال لمن يعلم انه لا يفعل شيئا لثقله على قلبه ونفور طبعه منه انك لا تستطيعه وان كان في الحقيقة مستطيعا له ويقول احدنا لمن يعلم انه يبغضه انك لا تستطيع ان تنظر الي والمعنى ان ذلك يثقل عليك ويقال للمريض الذي يجهده الصوم انك لا تستطيع الصيام وهو في الحقيقة يستطيعه ولكن بمشقة تدخل عليه وثقل يناله وعلى هذا المعنى يتأول قول الله جل اسمه فيما حكاه عن العالم الذي تبعه موسى عليه السلام حيث قال له موسى * (هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معى صبرا) * المعنى فيه انك لا تصبر ولا يخف عليك وانه يثقل على طبيعتك فعبر عن نفي الصبر بنفي الاستطاعة وإلا فهو قادر مستطيع ويدل على ذلك قول موسى عليه السلام في جوابه * (له ستجدني ان شاء الله صابرا) * ولم يقل ان شاء الله مستطيعا ومن حق الجواب ان يطابق السؤال فدل جوابه على ان الاستطاعة المذكورة في الابتداء هي عبارة عن
--- [ 47 ]
صفحہ 46