الاستعانة في الكلام
قال أبو العباس: وأما ما ذكرناه من الاستعانة، فهو أن يدخل في الكلام ما لا حاجة بالمستمع إليه ليصحح به نظمًا "ووزنًا"١ إن كان في شعر، او ليتذكر به ما بعده إن كان في كلام منثور، كنحو ما تسمعه في كثير من كلام العامة قولهم: ألست تسمع أفهمت أين أنت وأشبه هذا، وربما تشاغل العيي بفتل إصبعه ومس لحيته، وغير ذلك من بدنه، وربما تنحنح. وقد قال الشاعر يعيب بعض الخطباء في شعر:
مليءٌ ببهرٍ والتفاتٍ وسعلةٍ ... ومسحةٍ عثنونٍ وفتل أصابعٍ
وقال رجل٢ من الخوارج يصف خطيبًا منهم بالجبن، وأنه مجيدٌ لولا أن الرعب أذهله:
نحنح زيدٌ وسعل ... لما رأى وقع الأسل
ويلمه إذا ارتجل ... ثم أطال واحتفل٣
ومما يشاكل هذا المعنى ويجانس هذا المذهب ما كان من خالد بن عبد الله القسري، فإنه كان متقدمًا في الخطابة ومتناهيًا في البلاغة، فخرج عليه المغيرة بن سعيد بالكوفة في عشرين رجلًا، فعطعطوا٤ به، فقال خالد: "اطعموني ماءً "وهو على المنبر، فغير بذلك، فكتب به هشام إليه في رسالة يوبخه فيها، سنذكرها٥ في موضعها إن شاء الله. وغيره يحيى بن نوفل فقال:
لأعلاجٍ ثمانيةٍ وعبدٍ ... لئيم الأصل في عددٍ يسير
هتفت بكل صوتك: أطعموني ... شرابًا، ثم بلت على السرير
_________
١ من ر.
٢ ذكر الجاحظ أنه الأشل الأزرقى من بعض أخوال عمران بن حطان يصف زيد بن جندب الإيادى خطيب الأزارقة، "البان والتبين ٤٢،٤١: ١".
٣ زيادات ر: "وقال رجل يصف رجلا من إياد بالعى، وكان أبوه خطيبا وخاله:
جمعت صنوف العي من كل وجهة ... وكنت مليئا بالبلاغة من كثب
أبوك معم في الكلام ومخول ... وخالك وثاب الجراثيم في الخطب
٤ العطعطة: تتابع الأصوات واختلافها.
٥ ر: "وسنذكرها".
1 / 30