Kalimah for Preachers and Reformers
كلمة للدعاة والمصلحين
ناشر
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
اصناف
كلمة للدعاة والمصلحين
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.
وبعد ... فإن هذا الكتيب يحوي مقالين كتبا في فترتين سابقتين، أذكر بهما نفسي المقصرة وإخواني، سائلا الله أن يكتب بهما النفع، فما أصبت فيه ووفقت فمن الله وبفضله، وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان.
المقال الأول يعرض -على شكل نقاط- عددا من الإشكالات التي لوحظت في العديد من الخطابات الدعوية التي حدثت تفاعلا مع مآسي أمتنا (وتخبطاتها) الكثيرة المتنوعة المتكررة في عصرنا الحالي الذي نعيشه، والمقال الثاني يُذَكِّر ببعض الواجبات والمستوى الذي يؤمل أن يكون عليه الدعاة إلى الله خاصة في وقتنا هذا الذي كثرت فيها آلامنا واستبيحت دماؤنا وأذللنا أيما إذلال.
1 / 1
وقد ذيل المقالان بهوامش بها نقاط تذكيرية هامة أتمنى الالتفات لها، خاصة هوامش المقال الثاني والتي منذ سنوات وأنا أتمنى نشرها في كتيب مستقل وأتت الآن فرصة لأضعها باختصار في هذه الهوامش، فأسأل الله أن ينفع بها. وأتقدم بالشكر والدعاء لكل من أعانني في إخراج هذا الكتيب وتنقيحه.
اللهم عجل بفضلك وكرمك هداية أمتنا، وأعنا على أداء واجباتنا، وارزقنا الإخلاص وصدق محبتك، واكتب لنا يا عظيم النصر على الأعداء، وأفرحنا بكرمك بنيل رضاك، وبدخول فردوسك، وبلذة النظر إلى وجهك الكريم يوم لقاك.
٤ / ٦ / ١٤٢٤هـ
1 / 2
الخطاب الدعوي ومآسي المسلمين
هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة، وحاملي همها من الدعاة والمصلحين، وأصحاب الأقلام الطيبة، وإن كان الأصل أن كل الأمة تكون كذلك، فالدعوة إلى الله مسؤولية الجميع.
أولا: إشكالات في الخطاب:
١- يحز في النفس كثيرًا أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا (وأيضا تخبطاتنا) الأخيرة الرهيبة، لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم -عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله، وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي، والمؤثر الحار، الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين، مبينًا لهم بوضوح أن هذا هو الحل،..... ومشعرًا لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم،
مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري (١) الموصل لتحقيق النصر، وإيقاف المآسي، وردع أعداء الدين.
قال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ ..الآية (محمد:٧)،
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ..الآية (الرعد:١١)،
_________
(١) قد يخطر في فكر بعض المسلمين شبهة أن السبب الأساس لعجز الأمة هو تأخرها التقني والعسكري وتفرقها، والحقيقة أنه سبب هام بلا شك ولكنه ليس السبب الرئيس، لأن سنة الله اقتضت أن النصر الحقيقي التام لا يتحقق لأمتنا بدون عودة صادقة إليه واستقامة على أوامره حتى لو تقدمت ماديا وعسكريًّا واتحدت. ومن المعروف على مدى العصور أن أمتنا كانت ذات شأن في القوة بل وفي التقدم المادي عندما كانت مطبقة لدينها، وأن بداية تأخرها وضعفها وذهاب عزها تحصل عندما تنحرف عن دينها وشريعة ربها، لذا فالتخلف التقني والعسكري والتفرق في الأمة الإسلامية لاشك أنه من أسباب ضعفها (ويجب على الأمة أن تجتهد في تقويته) ولكنه متعلق وناتج بالدرجة الأولى من بُعدها عن الله وحقيقة منهج الإسلام. وهو بالدرجة الأولى عرضٌ للمرض الأساس للأمة وليس هو المرض نفسه،..... ثم إن الأمة الإسلامية إذا صدقت في العودة إلى الله والاستقامة على شرعه ثم جاهدت أعداءها- في الوقت والظرف المناسبين- فهي منصورة بإذن الله ولو لم تصل في العدة والعتاد والاستعداد إلى مثل مستوى أعدائها، فقط هي مطالبة بأن تعد ما تستطيعه من القوة وقتئذٍ. وتاريخنا الإسلامي شاهد على انتصارات المسلمين الكثيرة على أعداء لهم فاقوهم كثيرا في استعداداتهم المادية. وحبذا الرجوع إلى رسالة قيمة (من نشر دار ابن المبارك) تتحدث عن هذا الموضوع عنوانها (ما هو سبب تخلف المسلمين) . ولنتذكر أيضًا أن تقصير أمتنا في الأخذ بأسباب القوة المادية اللازمة هو أحد ذنوبها.
1 / 3
وقال ﷺ في الحديث الصحيح عن ابن عمر «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني) .
ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية، إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا، قد أثرا أيضا حتى على العديد من الدعاة والمصلحين؛ فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي، والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية (١) المتعلقة بهذه الأحداث.
والأهم من ذلك عدم التركيز بدقة، وإيضاح تام كافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكل الذي يصل إلى قلب ويقين كل مسلم (وليس إلى فكره فقط)، مشعرا له بواجبه في التغيير (٢) والعودة والدعوة إلى الله.
_________
(١) للشيخ ابن عثيمين ﵀ رسالة صغيرة هامة جدًّا تتحدث عن مشكلة عدم النظر للأسباب والخلفيات الشرعية في الأحداث عنوانها: (أثر المعاصي على الفرد والمجتمع) . وحقيقة أننا نستغرب من كلمات بعض الدعاة والكتاب الذين لا نكاد نرى أو أصبح نادرًا في كلماتهم تذكير للأمة بالتوبة وتقوى الله وآثار المعاصي عند الحديث عن آلامنا ومشاكلنا وأزماتنا في أي جانب
(٢) لا شك في أن الدعاة يذكرون الأمة بالتوبة والصلاح وهذا أساس دعوتهم، ولكن الجانب الذي لوحظ فيه النقص عند العديد هو التذكير بالتوبة والصلاح بتركيز عند الحديث عن مآسي الأمة وتخبطاتها
1 / 4
وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَرَضًا، أو باختصار شديد قد لا ينتبه له، أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه، مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا.
1 / 5
٢- أيضًا وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح، إلا أننا من كثرة المآسي والجراح، وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح، أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر،
فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟
أم هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال للمنكوبين والمشردين؟ والذي لا شك في أهميته إلا أنه حل جزئي ووقتي، خاصة إذا لم يربط بالحل الحقيقي، ...
فالأصل أن يكون الهدف والمؤمل الأكبر من البكاء والتألم هو
جعل ذلك شعلة (١) للأمة للانطلاقة نحو التغيير في واقعها، والعودة إلى الله، والدعوة إليه، التي -بإذن الله- بها وبنتائجها وثمراتها تعز الأمة، ويعود مجدها، وينطلق بقوة جهادها، وتنتصر وتحل كل مشكلاتها (وتخبطاتها) .
_________
(١) لقد مرت أمتنا وبالذات في السنوات الأخيرة بمآسٍ مؤلمة مبكية وأحداث عظيمة، وشاهدتها الأمة - خاصة مع إمكانيات وسائل الإعلام الحديثة - رأي العين، وتأثرت بها كثيرا، وأظن لو أنه تم تذكير الأمة بعمق بحقيقة وواجب الرجوع إلى الله وأنها هي الحل لحصل بإذن الله توجه كبير في الأمة نحو ذلك ولحدث بإذنه تعالى تصحيح طيب في وضع الأمة وتوجهاتها
1 / 6
٣- أيضًا يلاحظ في الكثير من المآسي التركيز على الدعاء والدعم المالي مع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة وإصلاح المسار،.... والدعاء والدعم المالي على الرغم من أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما ليسا الواجب الوحيد والأهم، وقد أصبح هذا المظهر أي مواجهة المذابح فقط بالدعاء والدعم المالي سمة لأمة الإسلام في العقود الأخيرة، وهل يعقل أن يستمر حال أمة الإسلام في كل مذبحة لأبنائها بهذا الشكل، بل إن أي أمة لا ترضى أن يستمر حالها هكذا في كل مذبحة ومأساة تتعرض لها، فكيف بنا أمة الإسلام ونحن مَنْ مِنَ المفترض أننا ندرك قيمة الدم المسلم عند خالقنا العظيم ﷾.
لذا فبالإضافة إلى تذكير الأمة بواجب الدعاء والدعم المالي وقت حدوث المآسي، فلا بد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار، لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر، حتى يأتي اليوم الذي توقف هذه المذابح والمآسي حال حدوثها، ولا نكتفي عندها فقط بالدعاء وتضميد الجراح، بينما السفاحون يقتلون ويبيدون!!.
1 / 7
بل في ذلك الوقت أي عندما تسترجع الأمة عزتها لن يتجرأ عليها بإذن الله أعداء الدين، ويستبيحون كرامتها في كل حين، كما هو حاصل الآن حتى أننا أصبحنا أذل أمة على وجه الأرض.
خاصة أن الأمة في أيام الأحداث تكون متأثرة ومتفاعلة، وخسارة عظيمة أن لا تذكر بواجب التوبة وإصلاح المسار وهي في قمة تفاعلها.
وإن من سلبيات التركيز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين، وعلى الدعم المالي لهم مع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن يحدث تخدير للمسلمين، فيشعرون أنهم - بعمل ذلك فقط - يكونون قد أدوا ما عليهم، بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة واقتراف المنكرات والإصرار على المعاصي التي هي مصيبتنا العظمى (١)، وأساس ذلنا وضعفنا وهواننا، واستئساد الكفار علينا وتمكنهم منا، وعجزنا عن إنقاذ إخواننا، كما بين ذلك لنا كتاب ربنا العظيم وأحاديث رسوله ﷺ.
_________
(١) إن أكبر مأساة تعيشها الأمة هي بعدها عن حقيقة دينها، والالتزام بكل شرائعه، وصدق التمسك به
1 / 8
٤- يتكلم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصدر توجيهات من بعض الدعاة بعد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها، ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جدا ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن......
كيف السبيل إليها؟
وهل وُضِّح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه؟
وكيف تحدث العزة والوحدة؟
هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد، رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟،.. ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلا من أن يثب وثوبا حقيقيا.
ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقي التام. (١)
وحتى لو حصل نصر مؤقت فهل يكفينا حدوثه بينما أمتنا مستمرة في بعدها، وأين نضع هذا بالنسبة لأهداف الجهاد العظيمة وغاياته؟ !! وهل هدف الجهاد في الإسلام هو فقط إنقاذ المسلمين؟! فعلى الرغم من أهمية وضرورة هذا الهدف، إلا أن الهدف الأعلى والأعظم للجهاد هو حفظ الدين وإقامته وتعبيد الناس لله رب العالمين ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ (البقرة:١٩٣، الأنفال:٣٩) .
_________
(١) قال العلامة ابن عثيمين ﵀ كلمة مسجلة له تعتبر بالغة الأهمية، فقد قالها وسط غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأخيرة وبالضبط يوم الاثنين ١٩رجب ١٤٢١هـ، فقال ﵀ معلقا على الأحداث: «كيف نؤمل النصر ونحن هذه أفعالنا ونياتنا. إذن لنرجع لأنفسنا لا تأخذنا العاطفة!.......المسجد الأقصى لا يمكن أن يرجع إلا إلى أصحابه ومن هم أصحابه ... اسمع قول الله ﷿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.. (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين...... لن يرجع المسجد الأقصى إلا إذا قاتل المسلمون لله ﷿، لكي تكون كلمة الله هي العليا مهما عمل الناس......... أرجو ألا تأخذنا العاطفة.. ألا تأخذنا العاطفة! وأن نغفل عن الأشياء الأساسية!........ نحن لا نرضى أن يقوم طاغية من طغاة اليهود كشارون يطوف ببيت المقدس لإهانة المسلمين ولكي يرتفع عند قومه من وجه آخر ... لا نرضى بهذا أبدا ولن يرضى بذلك أي مسلم ... ولكن علينا أولا أن نصلح أنفسنا ... أنفسنا ما صلحت إلا ما شاء الله ... فكروا بهذه الأمور..لا تأخذكم العاطفة «.* هذه الكلمة ملحقة في نهاية شريط قيم للشيخ عبد المحسن القاضي عن الأقصى وقد قامت تسجيلات الاستقامة في القصيم بإضافتها نظرًا لأهميتها.
1 / 9
ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها، ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة، حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه.
وليتنا نرجع إلى كتب التفسير ونتأمل بعض الحكم المستفادة من قوله تعالى في سورة محمد [سورة القتال]: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ (محمد:٢١) .
ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بدون توجيهها للتوبة والعودة قد يؤدي إلى حدوث اتكالية وتأخر في التغيير والإصلاح - الذي هو الطريق الذي يقود الأمة بفاعلية للجهاد ويحقق لها النصر فيه بإذن الله- بين أفراد الأمة، بحجة أن الجهاد لم يقم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه، فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحد أهم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه.
1 / 10
وكم واجهنا من المسلمين الذين عندما نذكرهم بترك اللهو والمعاصي غِيرةً على الأقل على واقع الأمة نجدهم يحتجون بحجة عدم وجود الجهاد الآن، وأنه لو كان موجودًا لتفاعلوا معه في إنقاذ إخوانهم، ونَسوا أنهم بأعمالهم هذه ولهوهم يكونون من أهم أسباب تأخر بدء وحصول الجهاد في الأمة.
وأبو بكر وعمر ﵄ وسلفنا الصالح كانوا عندما يرسلون جيوشهم التي حوت خيار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يوصونهم بتقوى الله والحذر من الذنوب وأنها أهم العدة على الأعداء (١) ...... فكيف يُنسى هذا -أو يذكر بدون إعطائه حقه- عندما نذكر أمتنا بالجهاد، وهي على ما هي عليه من الغفلة والبعد وتضليل المضلين وإفساد المفسدين.
_________
(١) كتب أبو بكر الصديق ﵁ إلى عمرو بن العاص عندما أخبره عن كثافة جيش هرقل بإزاء جيش المسلمين: (إنكم لا تغلبون بقلة عددكم وإنما تغلبون بالمعاصي على كثرة عددكم فاحترسوا منها) «نقلًا من كتاب أسباب سعادة المسلمين وشقائهم للعلامة محمد الكاندهلوي» .ومما كتبه عمر بن الخطاب ﵁ لسعد بن أبي وقاص عندما أرسله لفتح فارس: (أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم) «نقلا عن كتاب توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع للشيخ محمد جميل زينو. .
1 / 11
بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه، قد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد، مما قد يجعل توجه البعض للجهاد تشوبه نية الحمية، التي تضعف تحقق العبودية فيه. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: «سئل رسول الله ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال ﷺ: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» . وصفاء النية من شوائب الإخلاص تحتاج إلى أفرادٍ تربوا على الصدق مع الله، والتزام أوامره، والحرص على ما يرضيه.
1 / 12
٥- وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها، فليس الأساس كذلك، بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي وتحفظ حتى ولو اتحدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره.
وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق (ولا خلاف في أنه مشكلة هامة)، ولتدرك في واقعنا الحالي أنه ليس إلا عرضا من أعراض مأساتها الكبيرة، ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين، وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال تعالى: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ الآية (الأنعام:٦٥) .
ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها، بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه.
1 / 13
٦- أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة، مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء، وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران:١٢٠) .
ولا شك أن أقوى ما نواجه به الكافرين هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره، وأن أهم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي، وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره، ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا.
1 / 14
بل وإن التركيز على كيد الأعداء (الذي من المُسَلّمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته) بطريقة تُشْعِر بأنه الأساس في مصائبنا وبدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها، قد يكون أيضا عاملًا آخرًا يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس، ودائها الأهم، وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ (آل عمران: ١٦٥) .
1 / 15
٧- يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر " صلاح الدين " وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا، ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشدة، ولكن.......
أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود أمثال " صلاح الدين " يعتبر فهمًا خاطئًا، وله خطورته من حيث إنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها، كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني.
ثم كيف يخرج لنا مثل " صلاح الدين "؟!، هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!!
إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا" صلاحًا" -بإذن الله-!!. و" صلاح الدين " نفسه كان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه.
ولا شك أن ذكر" صلاح الدين " والأبطال مهم ونحتاجه، ولكن ليكن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين، والنخوة له، والجهاد الصادق في سبيله، وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه " صلاح الدين " من صلاح (١) وتقوى، سبقت بطولته وإنجازاته.
_________
(١) كلمة معبرة للشيخ جميل عقاد (من سوريا) ﵀ عن القدس يستشهد بها هنا وهي:) لن تعود حتى نعود (.
1 / 16
وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح، لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعة!!!! يستغلها الشيطان لكي تُلقي الأمة عليها أخطاءها بينما هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها، والتي هي أساس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها.
1 / 17
٨- يبدو أيضا أن كثرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير، خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني، فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة، خاصة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس، الذين يلبسون على المسلم أحكام دينه ويجعلونه يرضى بواقعه، على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه، بالتزامه الصادق الكامل وبدعوته غيره من أفراد المجتمع (عودة ودعوة) . (١)
_________
(١) هاتان الكلمتان تعبران باختصار عن دور المسلم في الإصلاح بتغييره نفسه ودعوته غيره، ويمكن أن يستفاد منها كشعار عملي يرمز لهذا الواجب. والشعارات لها أثرها الطيب الذي لا ينكر في التذكير والتحفيز
1 / 18
٩- مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصًا هو ما نلاحظه من البرود والانتكاس العاطفي والعملي السريع، والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين. بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهو ويغني، وينشغل بالدنيا، والمعاصي التي يؤخر بها نصر أمته في نفس الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبح أطفالهم، وتهدم منازلهم، وينكل بهم أشد تنكيل.
1 / 19
١٠- يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي-بالقدر الكافي- في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات، وإصدارات إعلامية متنوعة، وتوجهات شعوبية (١)، كلها طيبة لكن الكثير منها يتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد لا بكلمات رنانة عامة، وأفعال حماسية غير دقيقة في توجهها لأساس الداء والدواء.
بل إن بعض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثرًا أو شعرًا أو خطابةً أو مظاهرات أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه، فبعضها جاف من المعاني الإسلامية، ومعاني العبودية، وفي بعضها سمة الحمية أظهر من سمة العبودية والإخلاص والتجرد والعمل من اجل إرضاء الله.
_________
(١) إننا نأمل أن تصبح شعارات وكلمات الرجوع والعودة إلى الدين، والتحفيز للتوبة والصلاح هي السمة الأساس التي لا تفتقد في أي تفاعل طيب يحدث من الشعوب المسلمة بعد الآلام التي تراها ... فهذا هو الطريق الحق لعزنا ونصرنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
1 / 20