تصدير
شعر الديوان
الإضمار
الخلود
النوم
مشاعر الفن
في عيد الفطر
الشراب المظمئ
الغراب السارق
الحدأة
الوروار
تغير
عرائس الطيف
تقلب السماء
الأشعة الحمراء
رسل السماء
إلى رابطة التوفيقية
البقية
الأوهام
الأطيار والبراعم
هالة القمر
الشباب المجدد
النور الأسود
الأبوة
المرأة المسلسلة
تحطيم الذرة
العباب
تصدير
شعر الديوان
الإضمار
الخلود
النوم
مشاعر الفن
في عيد الفطر
الشراب المظمئ
الغراب السارق
الحدأة
الوروار
تغير
عرائس الطيف
تقلب السماء
الأشعة الحمراء
رسل السماء
إلى رابطة التوفيقية
البقية
الأوهام
الأطيار والبراعم
هالة القمر
الشباب المجدد
النور الأسود
الأبوة
المرأة المسلسلة
تحطيم الذرة
العباب
الكائن الثاني
الكائن الثاني
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
تصدير
في هذه المجموعة خمس وعشرون قصيدة، معظمها من شعري في سنة 1934، أنشرها على سبيل النماذج، وقد طبعتها مستقلة لارتباطها بمعاني «الإضمار» الذي عبرت عنه تعبيرا رمزيا مجملا حين خاطبت الطاووس الأبيض:
1
أنت في الحسن مضمر اللون والحل
ية كالنور يضمر الألوانا
إن يعبك الذين لم يشعروا بع
د فيكفي اجتذابك الفنانا
وقد اقترح علي غير واحد من أصدقائي الأدباء أن أقسم شعري وأطبعه طبعا مستقلا حسب موضوعاته؛ تيسيرا للقراء، كما ظهر لي من قبل ديوان «مصريات» وديوان «وطن الفراعنة»، ولكني أخشى أن يؤدي ذلك إلى كثرة تآليفي كثرة صناعية لا أحبها، وسأحاول في اعتدال تلبية اقتراحهم هذا كلما وجد داع خاص إلى ذلك.
ولا أود أن أثقل هذه المجموعة الصغيرة بتصدير طويل؛ فأكتفي بأن أعزز توكيدي لصفات الشعر المستقلة توكيدا لا ينافي شغفي الشخصي بالموسيقى، التي ينبض بها شعري نبضا ذاتيا في صميم بنيته لا في بهرج صناعته؛ فالموسيقى الشعرية يجب أن تكون أصيلة، مرادفة للمعاني، متغلغلة في بيانها، لا أن تكون صورا من الترديد الإيقاعي الرنان الذي لا يصحبه شيء من صدق العاطفة، أو عمق الفكرة، بل كله ضحولة وسفسطة كلامية. ورحم الله ابن سعيد المغربي، صاحب «عنوان المرقصات والمطربات»؛ إذ قال عن علقمة الفحل: «معاني الغوص في شعر علقمة معدومة، وأقرب ما وقع له قوله:
أوردتها وصدور العيس مسنفة
والصبح بالكوكب الدري منحور
يشير إلى أن كوكب الصبح مثل سنان الحربة طعن به فسال منه دم الشفق، وإذا تبين هذا المعنى كان من المرقصات، وقوله:
يحملن أترجة نضح العبير بها
كأن تطيابها في الأنف مشموم
يشير إلى أن ما نال هذه المرأة من مضض السير واصفرار لونها كالأترجة، وأنها ما تحركت تزيد طبيا خلافا للتحرك البشري، ومنه أخذ ابن الرومي وغيره تشبيه المرأة بالروضة لطيب ثغرها.»
رحم الله ابن سعيد المغربي الذي يقول مثل هذا القول في القرن السابع للهجرة عن علقمة الفحل قرين امرئ القيس، حينما لا نستطيع أن نقول بعض ذلك في القرن الرابع عشر الهجري عن الناظمين المزماريين، الذين استولى بعضهم على الصحافة بحكم وظائفهم أو علاقاتهم السياسية، وكادوا يدعون ملكية الشعر العربي قديمه وحديثه على السواء!
إن الشعر كغيره من الفنون ملكة فطرية يصقلها الاطلاع والتأمل، ولكنه قبل كل شيء، وبعد كل شيء، ملكة فطرية، ولا فائدة لمن ليست له هذه الملكة في أن يتحايل عليها بالإيقاع والرنين الصناعي الذي ليست له بنية شعرية أصيلة، كما أنه لا فائدة ممن ليست له طبيعة مفكرة في أن يتظاهر بذلك في لغة الإبهام والتهويل والنعيب.
وأعود فأكرر توكيدي لمنزلة الشعر المستقلة، على أن تكون موسيقاه هي موسيقى المعاني التي تبتدع الألفاظ والنبرات الملائمة لها، لا الألحان الصناعية الجوفاء التي لا تظهر ولا تضمر شيئا من الجمال الشعري الأصيل. وعلى هذا الاعتبار أفرق بين الشاعر الأصيل وبين الناظم المزماري، وإن لجأ الأخير إلى ألوان من العبث الإيقاعي الخلاب الذي أكاد أعده طرازا من الخلاعة والمجون. وشواهد ذلك كثيرة في نظم المناسبات الشائع، وخصوصا في شعر المدائح التقليدية. وأما شواهد الموسيقى الشعرية المطبوعة فماثلة في كل شعر قوي مطبوع، قديما كان أم حديثا، ومنها هذه الأبيات للبحتري التي أذكرها في غير اختيار:
لي حبيب قد لج في الهجر جدا
وأعاد الصدود منه وأبدى
ذو فنون يريك في كل يوم
خلقا من جفائه مستجدا
أغتدي راضيا وقد بت غضبا
ن، وأمسي مولى وأصبح عبدا
وبنفسي أفدي على كل حال
شاديا لو يمس بالحسن أعدا
مر بي خاليا فأطمع في الوص
ل، وعرضت بالسلام فردا
وثنى خده إلي على خو
ف فقبلت جلنارا ووردا
سيدي أنت! ما تعرضت ظلما
فأجازى به، ولا خنت عهدا
رق لي من مدامع ليس ترقا
وارث لي من جوانج ليس تهدا!
أتراني مستبدلا بك ما عش
ت بديلا أو واجدا منك ندا؟
حاش لله! أنت أفتن ألفا
ظا وأحلى شكلا وأحسن قدا!
ولا نزاع في أن أبا عبادة قد استوحى بوجدانه مثالا من الحسن عزيزا لديه في صوغ هذه الأبيات الوصفية الرشيقة الجميلة، وإن جاءت استهلالا لقصيدة مدح، فالعاطفة غالبة عليها.
وهناك ضروب أخرى من الموسيقى الشعرية، ولكنها جميعا لا تفتعل؛ بل تواتي الشاعر مواتاة في اختيار ألفاظه، وتشكيل مقاطعها ونبراتها. وشتان بين ذلك وبين النظم الرنان الأجوف الذي ينادي أصحابه بأنه هو هو الشعر، وكل ما عداه مما لم يملأ الأفواه نطقا، والآذان دويا، فليس من الشعر الصحيح في شيء؛ بل هو أمثلة للركاكة اللفظية والتفاهة! وأمثال هؤلاء السادة تنحصر ثروتهم الموهومة في الرقة البيانية، وفي محفوظ الكلمات التقليدية، وفي المعاني المكرورة التي سئمها الدهر. وقد أفسدوا بافتتانهم الصناعي حتى الشعر الغنائي، ولشعورهم بهذا الفقر لا يتورعون عن الإساءة بتفسيرهم المريض لآرائنا النقدية، ولاتجاهاتنا الجديدة، ومنها ما يتجلى في قصائد هذه المجموعة التي أهديها على صغرها إلى أنصار الفن البصير الطليق وأعداء العبودية والأمية.
ضاحية المطرية
في 25 يناير سنة 1935
شعر الديوان
الإضمار
تأملت في دنياي حتى وجدتها
نقيضة ما تبدي لعيني المظاهر
وما كان هذا النقض نقضا بذاته
ولكنه فيما يناقض ساحر
كما ألف الأطياف ضوء موحد
فغابت ومن أمواجها الضوء عامر
ففي كل شيء آخر عاش مضمرا
فتبدو وإن تحجب لحسي الضمائر
وما عالم الذرات ما العلم كاشف
إذا خدعت كالعالمين العناصر
تقلب ألوانا رياء مجددا
وتخذلنا منها النهى والمشاعر
وما بذها في سرعة الوثب طائر
ولا فاقها في وثبة الوهم شاعر
فأحسست أن الكون أضعاف ما أرى
وكل وجود ضده فيه حائر
وآمنت بالمعنى الخفي فإنه
من النور يخفى وهو كالنور غامر
1
توحدت الأضداد في كل كائن
ففي المؤمن المشهود يكمن كافر
وقد ضل كل الناس ساعة هديهم
لذلك دهر الناس بالناس ساخر!
الخلود
أموت وأحيا كل يوم مجددا
فأين ضلالاتي؟ وأين لي الهدى؟
لقد جئت من فجر الزمان كأنني
خيوط به تبدا وتمضي على المدى
ومثل جسمي في النشوء نشوءه
فتكوين جسمي رمز ما مر سرمدا
ملايين من حي الخلايا كيانها
كياني، وأخرى إن تمت لم تمت سدى
تطور جسمي بل ونفسي، فها أنا
أمثل ماضي الخلق واليوم والغدا
أجل، ذلك الآتي البعيد أحسه
بنفسي وأحوي منه أصلا ممهدا
كما كان جسمي ذرة بعد ذرة
ملايين من عمر الحياة مخلدا
فما الخلد إلا النوع يمضي مخلدا
وما الموت إلا الفرد يحيا مبددا
وما الروح إلا كل معنى نشيمه
من الحي في شتى الرسوم ومفردا •••
ومثلت لي أنت المعاني جميعها
فشاهدت فيك «الله» روحا ومعبدا
لئن عشت في دنيا الأنام أسيرة
فمن قبل قد عاش «المسيح» مصفدا
أبنت لنا سر الخلود فغردت
حياتي وأضحى كل حسن مغردا
ولست أبالي بعد يومي إن أمت
متى كنت للآتي المؤمل مسعدا
شرحت له دين الجمال فحسبه
وحسبي إذن أني أموت له الفدى
النوم
النوم (من تصوير شارلت).
هو روح الهدوء في جسمها الثا
وي بلا خشية ودون انتباه
لا يبالي الوجود، لا يعرف العر
ف، وفي جده قرير ولاه
أي لهو أبهى من النوم في غي
ر مبالاته بدنيا المشاعر؟
أي حسن أحلى من الحسن والنو
م وقد عانقا خيالات شاعر؟
هو هذي الحسناء ليست سوى النو
م بأحلامه الغوالي الرشيقه
خلعت في الهدوء كل دثار
وتعرت، إلا جمال الحقيقه
ليس بدعا إذا عشقناه حتى
صار جزءا من الحياة وكلا
نحن منه، وروحه هي منا
وهو معنى السلام رمزا وأصلا
من حلى الذوق مظهرا وكيانا
ومن الفن روعة وافتتانا
يشمل النوم ساحرا سلطانا
كل حي ويعجز الألسانا
فتأمل - يا شعر - هذي الملاحه
إنها النوم حين يلقى صباحه
إنها نشوة من الفن كبرى
في حمى النوم لم تكن بالمتاحه!
مشاعر الفن
عيني تمتع من جما
لك فوق مقدور النظر
1
قد نافست أذني البصي
رة بالمفاتن في الصور
كم من «جواب»، شمته
بجميع إحساسي، ابتدر!
غيري يراك بغير عي
ني، بالكليل من البصر
وكذاك أذني من حدي
ثك حظها فوق البشر
فيه جمال ليس ين
قله الهواء إذا اقتدر
2
قد سال مثل الضوء بل
مثل الخواطر والفكر
ما الذنب ذنب سناه إن
نبذ الجحود أو استتر
وإذا تشبث بالخيا
ل لكل فنان شعر
في عيد الفطر
نظمت في عيد الفطر لسنة 1353ه
النور فاض فأهلا أيها العيد!
ما العيد إن لم يكن للناس تعييد؟
كم مر عيد فلم نحفل به ألما!
والآن في كل يوم حولنا العيد
حرية الناس لا شيء يعادلها
وما لغير معانيها الأناشيد
بها الحياة حياة لا حدود لها
حين الفداء لها مجد وتخليد
يا عيد، أهلا وأهلا بعد مرحلة
لا الحي فيها ولا فيها المواليد
تلك السنون من الأعمار ما حسبت
وإن تكن كثرت فيها المواعيد
طغى الفساد بها طغيان ذي شره
بئست وبئست لنا أحداثها السود
شالت أسانيدها في كل مظلمة
فما انتصفنا، ولم تجد الأسانيد
سلني؛ فإني خبير بالذي اقترفت
كأنما العدل معدود ومفقود
سلني؛ فإني امتحنت القوم في نوبي
فلم يكن لهمو في الحق تسديد
لا يرفعون سوى أبناء شيعتهم
ومن عداهم فتصفيد وتشريد
حتى المودات إن كانت منزهة
تداس حين جنى الود المناكيد
برئت منهم ولو نالوا حقوق دمي
فكلهم من رضى الأوطان مطرود
إن ضاع إحسان ظني بينهم سرفا
فقد عرفت به أين الرعاديد
وما بكيت على صدقي ولا شممي
ولا ودادي، فما للنبل تبديد
لكن بكيت على أهلي، على وطني
وبين أقطابه جان ورعديد •••
يا عيد، أهلا! لعل التجربات مضت
كم تجربات خرافات أباديد!
1
لكل ظلم فناء من طبيعته
فلن تقيه جنود أو تقاليد
ما أجمل النور في قلبي وفي نظري!
من بعد ما حطمت تلك الجلاميد
فالآن أفهم معنى العيد في مرح
وأن عمري فيه الآن معدود
وأفهم الملبس الحالي كأن له
حلى الجنان، وفيه الصفو مشهود
وأفهم اللهو ألوانا مجسدة
من البراءة، لا ختل وتصفيد
وأستسيغ من الأطفال زامرة
كأنما قد شدا بالسحر «داوود»
وأستطيب لهم رقصا يرنحني
والأمس رنحني هم وتنكيد
يهنئ البعض بعضا دون ما حذر
ويشمل الناس تعييد وتجديد
كأنما الأرض قد عادت طهارتها
والجو والناس أضواء وتغريد
الشراب المظمئ
شربنا فلم نلق إلا الظمأ
يزيد، ويضحك منا الملأ
وعود السياسة أو برها
كماء ثقيل يزيد الظمأ
1
لقد خدعتنا السنين الطوال
فهل بعد خدعتها من نبأ؟
أتعرف للصدق معنى جديدا
سوى عبث بالضلال اجترأ؟
أتعرف هيهات يرضي هواها
وإن عاهدتنا إخاء الملأ؟
الغراب السارق
للغراب افتتان بالسرقة وإن لم يجن شيئا من بعض ما يسرقه مثل الأدوات المنزلية الخفيفة ونحو ذلك. ***
يا خاطفا عش غيره
وناهبا كل خيره
ما لي أراك جبانا
والجبن عنوان ضيره؟
لكم سرقت وإن لم
تنل من النهب مغنم!
كأنما الشر طبع
لديك لا يتصرم!
لكم خطفت الملاعق
وكنت أعجب سارق!
هل كان ذاك مزاحا؟
بئس المزاح المنافق!
لكن غفرنا ذنوبك
وإن أبينا عيوبك
هذا التعاون دين
لم يدره من يعيبك
إن صحت أقبل جمع
والكل عين وسمع
جيش لنوعك واف
لباك أيان تدعو
والناس يأكل بعض
بعضا، وذلك فرض
أما السلام فحرب
أما الإخاء فبغض!
الحدأة
طائرة مدققه
أم أنها معلقه
على علو شاهق
في مسبح الحقائق؟
لم تكترث لعشها
ولا لزاهي عيشها
لكنها الجريئه
الحرة الهنيئه
تحترف الشجاعه
وترفض القناعه
ولا تبالي الناسا
وإن غدوا أحلاسا
وكم ترى نافعة
لشرهم دافعة
فأصبحت مؤمره
على الطيور الخيره
ونالت السماء
وقبلها الغبراء
كأنما نحن لها
نعيش حقا أهلها
وإن تنل أفراخنا
وإن تصد أسمالنا
فكم أزالت درنا
وأنصفت من غبنا
ثم مضت طائرة
سابحة شاعرة!
الوروار
الوروار (آكل النحل).
يا عزيز الجمال، ما لك لم تد
ر نظيرا لدى الجمال النظير؟
أم هو الحسن يعشق الحسن مأكو
لا كما نشتهيه في التصوير؟
أم هو الطبع يجعل الفاتن القا
در يقضي على الرشيق الصغير؟
كم فتنا بما حملت من الأل
وان كالزهر في الربيع النضير
وبمرأى منقارك الذي طال كالحز
م لدى الباحث الدقيق الجهير
وبعينيك كاليواقيت في الحم
رة أو مثل لهفة للضمير
كم فتنا ولو جزينا الذي تج
ني لأرديت كالخئون الأسير
كيف تجني على البصيرة بالشه
د وبالنور والهوى والزهور؟
رسل الحب والملاحة والأح
لام في عالم النبات القرير
كيف تجني؟ وهل غنى النحل إلا
لنفوس عديدة وشعور؟
كم ضحايا هضمتها! كم ضحايا
خلقت للهوى وحلو العبير!
تغير
عن الشاعرة إلا هويلر ولكوكس، مهداة إلى الصديق الشاعر محمد أحمد رجب، المحامي الذي اقترح علي ترجمتها وارتضاها. ***
تغيرت؟ نعم، هذا اعترافي
فلست بحبك الماضي أهيم
وإن أدم الصديقة لم يبدل
زمان من هوى ماض يقيم
ولكن سحر أيامي بحلمي
وفرحة عهدها الحلو المؤقت
مضت مثل الرؤى من ذهن غاف
ولكن لست أدري كيف ولت
لماذا أنت في شبه اتهام
تفرسني؟ وهل عجب محير؟
إذا غدت القلوب ككل شيء
تحس بما يحببه التغير؟
فما الأطيار والأزهار جمعا
وما الأوراق بل تلك النجوم؟
وإن ظنت ثوابت في جلال
وما الدنيا على حال تدوم
وهذا الوجه عاما بعد عام
تريه لنا المرايا في اختلاف
وأشهى ما نرجي بل وشتى
مشاعرنا على هذا الخلاف
وكيف نروم للإنسان قلبا
قنوعا بالخيال من الطفوله؟
يشب العام عن فيلات مايو
1
وإن لم يغتنم أخرى جميله
كذاك حياتنا، فلرب خافي
هواها ليس أشهى من هوانا
وإن يك باردا، لكن سنمضي
أبى الورد البنفسج إذ دعانا
عرائس الطيف
استيحاء الطيف الشمسي
أنتن ألوان أم ال
ألوان أثواب الجمال؟
كل لها رمز ينم
عن الملاحة والدلال
متموجات الحسن، لط
ف قصارهن من الطوال
1
كم بعدكن محجبا
ت باخلات بالوصال
عبثت بألواح المصو
ور في الظلام وبالخيال
2
وضنينة باللمح وه
ي تكاد تشتعل اشتعال
3
أنتن أمثلة الصرا
حة والرشاقة والنوال
وبنات كل مكوكب
من ذلك الدر المسال
4
في حين تملأ كوننا
أمم الأشعة في اقتتال
شتى الصفات صفاتها
وأقلها شبه المحال
5
لا بدع إن خلق الوجو
د من الأشعة والظلال
وإلى الظلال وللأشع
عة كل موجود يحال
ويعود بعد مكررا
فإذا الخلود هو الزوال
إن الحياة من التنو
وع في انتقال وانتقال
ليس الخلود سوى مرا
دف «ضده» فيما يقال
تقلب السماء
أوكلما نأت السماء عن الثرى
حلت قتامتها محل بهاء
1
ونضت بأقصى البعد زرقة لونها
وتدثرت بثيابها السوداء
2
أهو التقلب طبعها أم بعدها
عن أهل هذي الأرض أورثها الضنى؟
الأرض مهد الأنبياء، وحسبها
هذا لتجتذب التألق والسنا
أم للسماء همومها، وهمومها
تسلى إذا لاقت هموم الأرض؟
كم فوق أرض الناس مأساة طغت!
كم حادث كالثاقب المنقض!
ندعى ذوي العقل الرجيح ولم نزل
نزري بكوكبنا الصغير شقاء
وكأنما التفكير رمز خرابنا
فإذا السماء أبت تدوم سماء
ولو انتبهنا ربما عنت
3
لنا
ألوانها صورا من الأحزان
ولعل هذا حالها، فأمامها
صور الشقاء وآية العدوان
الأشعة الحمراء
ما لي أراك جريئة
كالحرب في وثباتها
1
قد طال موجك زاخرا
متماديا كطغاتها
حين البنفسج في ودا
عته كسلم أباتها؟
أخفيت تحتك
2
عصبة
جاسوسة بصفاتها
نقلت لنا صور الظلا
م نخاله كعداتها •••
أترى من الألوان رم
ز حياتنا وحياتها؟
هذي عواطفنا عوا
طفها وصورة ذاتها!
رسل السماء
الأشعة
هاتي حديثك! أشرقي!
ومن الشموس تدفقي!
أتصدك الأجواء؟ كلا
ما الشعاع بمخفق
سهم الحياة وسرها
بل أصلها لمحقق
لا بدع إن نفذت سها
مك في الفضاء المطبق
نفذت، وإن يك طيه
شبه الكثيف الزئبق
1 •••
هاتي حديثك! أشرقي!
ومن الشموس تدفقي!
وتموجي ما شئت في
طول بعطف المشفق
إن لم تنلك عيوننا
جمعا فيكفي ما بقي
2
يكفي الرحيم بنا الحلي
م وحجب بأس المحرق
3
رسل السماء وعندها
أحداثها لمدقق! •••
هاتي حديثك! أشرقي!
ومن الشموس تدفقي!
إني أحسك بالخيا
ل كزاخر متألق
وأرى العليم محدقا
كالسائل المتملق
لم يبلغ العلم المدى
إلا مدى لمحلق
ويعود بعد ثرائه
في مثل حظ المملق!
إلى رابطة التوفيقية
حيا بها صاحب الديوان زملاءه خرجي المدرسة التوفيقية في شخص جمعيتهم. ***
من أماني طفولتي وصباي ال
حر أهدي إليك أحلى الأماني
ذكريات تقدست في جناني
من حنان، فلم تغب عن جناني
وهي حسبي القربان أزجيه عرفا
نا لمعناك بين أسمى المعاني
أنت يا مجمع الأجلاء من أه
لي إذا عد غيرهم إخواني
أنت حضن لأمنا التي لم نزل بع
د إليها نحن كل الحنان
قد عرفت المشيب بعد الصبا الغض
ض ولكن هواي من عنفواني
كيف يدري المشيب قلبي الذي يخ
فق في حبه كطفل أناني
مولعا دائما بكل هوى ضا
ع بصحراء عالم النسيان
باحثا كاشفا عن الأمس ألوا
نا من الحسن والغنى والبيان؟!
فإذا أنت قد ظفرت بها الآ
ن وجمعت حولنا كل آن
وإذا عهدنا الدراسي ما زا
ل هو الحي وحده في الزمان
وإذا نحن عنده ننهل الود
وننسى صروف جان وجان
بينما الناس حظهم في فنون
من عداء، وحبهم للجبان
كل شيء يهون إلا غنى القل
ب، فليست عهوده للهوان
البقية
إلى صديقي الشاعر صالح جودت هذه القصة الغرامية وقد جلس إلى حبيبته يتقاسمان في هناءتهما قطعة من الحلوى فتخاصما وافترقا إلى غير لقاء، وبقي محتفظا بتلك البقية منها للذكرى الشجية. ***
أنت حلوى الغرام أم أنت قلبي
بعد أن ذاب في النوى أي ذوب؟
قد جلسنا نذوق منك مرارا
في فتون والصفو عبد يلبي
وهي تحنو علي بالبسمة النش
وى وأحنو على جناها الأحب
وهي معنى الربيع روحا وعطرا
وأنا كالخريف في وثب قلبي
جمعتنا الأقدار معجزة الحب
ولكن به أسى كل حب
جمعتنا من حيث ندري ولا ند
ري وحسبي لقاؤها العذب حسبي
جمعتنا وقد جننا انتقاما
من زمان محارب كل صب
فضحكنا من الوجود مرارا
ضحكات كأنها محض نهب
كلما أترعت غرامي أجدت
صورا للظماء تغني وتسبي
وأنا المحتسي من اللطف أندا
ء وروحي تخضل من كل خصب
وكأني ظفرت بعد سياحا
تي بسر الحياة في كل قلب
مزج الكفر باليقين أمامي
وكأني مشارف ثم ربي
فتصوفت في أشعتها الله
فى وعطرت من شذى الخلد لبي
وتماديت في تسابيح إيما
ني فإن التسبيح للحسن كسبي
وقطفنا الحلوى كأنا أسغنا
للهوى بعدها مدى كل ذنب
فإذا بالعتاب فاجأ أحلا
مي كريح تميت أنداء عشب
وإذا بالوصال قد صار هجري
وإذا بالسلام قد صار حربي
وإذا هذه البقية من حل
وى هي الحظ ميتا موت قلبي
إن أصنها كالمومياء فقد تح
يا على قربها خيالات قربي!
الأوهام
في العيد في الحب في النشيد
في اللحن في النثر في القصيد
في كل جزء من الوجود
في كل عهد من العهود
وكل حد من الحدود
وكل معنى بلا حدود
نقائض الظاهر الشهيد
1
كأنما العيد غير عيد
كأنما الحب للسعيد
سلافة اليائس العميد
وكل سحر من القصيد
وكل حلو من النشيد
وفاتن اللفظ في العهود
وآسر الطرف في الوجود
جميعها ليس بالرشيد
وإن يكن فتنة الرشيد
وليس فيها من الخلود
إلا رموزا إلى الخلود
وحظها غاية الشريد!
الأطيار والبراعم
حل الشتاء فطيري
فالأرض ملهى الحقير
طيري مع النور طيري
من الظلام المغير
نشأت في الأرض لكن
كنشأة للضمير
إلى الطلاقة يمضي
إلى الطلاقة طيري!
كم فيك رمز وروح
من الفضاء الكبير!
رمز البراعم تخفي
روح الربيع النضير
يقر فيها ولكن
إلى زمان يسير
وبعد يمضي شعاعا
إلى الوجود الخطير
هالة القمر
كلما ازددت بات كائنك الثا
ني صغيرا من القطيرات تلفى
وإذا ما صغرت زاد حجما وقدر
نا تحايا الأمطار وكفا ووكفا
ذاك سر نقيس من علمه الذر
ة في دقة الشعاع العليم
نصدق الحس حينما نخدع الحس
بأسرار ذرة الهليوم
1
ليت شعري: أنحن أقرب للعل
م بهذا أم علمنا محض وهم؟
أترى كل فهمنا محض عجز
في وجود محير كل فهم؟
تلك دنيا الأشكال، لكن دنيا
نا تخفت أو راوغت كل شكل
هي دنيا الخيال والشعر لم تس
كن لقول ولم تحدد بقول!
الشباب المجدد
غنيت للهرمون
1
حلو نشيدي
وعرفت عنه روائع التجديد
متواضع في عزلة موصولة
بغنى الحياة وعمرها الممدود
تخذ الأمانة دينه برسالة
من غدة تحيا حياة عبيد
صماء في أسر ولكن أمرها
أمر العميد يخال غير عميد
مسجونة ولقد تضاءل حجمها
وطليقة بالنهي والتأكيد
لعبت بدنيا الجسم حتى إنها
في كنهها كنه لكل خلود
لكنما الدهر المسلط لا يني
عن هدم كل مسود ومسود
فإذا ضمانات الحياة ضحية
وإذا بها تفنى فناء شهيد •••
والآن شعر العلم ينظم معجزا
ويصونها بالنقل والتقييد
2
وينال من عمر القرود لعمرنا
سندا، فينقذنا سخاء قرود!
ويزورنا ماضي الشباب مجددا
ويرى السعادة فيه غير سعيد
ونرى بأعيننا حقيقة ذاتنا
خلف المظاهر وهي محض برود
3
حتى لنؤمن بالتسلسل مثلما
نلقى الوجود يشع بالتوحيد
فلكل شيء بضعة من غيره
والخلق أطوار من الترديد
والناس غير الناس في تكييفهم
فنفوسهم جمعت أبود أبود
النور الأسود
لم تنلك العيون لكنما نل
ت صميم الحياة فيما صنعت
قد هجرت الأسلاك واعتضت بالسح
ر فأسمعتنا الذي قد سمعت
بل نشرت الرؤى تهاويل للعي
ن وطوعت نورها شبه آسر
ومواد الحياة كونتها في
نا وفي النبت في تصاوير شاعر
مرهف الحس مرهف الذهن والجس
م وواقي عناصر الخير شرا
تنفض السقم، تدفع الغدد الصم
إلى معجز شأى الطب سحرا
أيها النور، أنت في ظلمات
خافقات بموجك النفاذ
ليت شعري أتلك نور عميق
مستقل ببأسك الأخاذ
حينما نحن في ظلام عجيب
من ضياء يفوت معنى الضياء
شوهته مفاسد طائشات
من جنون الحياة والأحياء؟!
الأبوة
قد رأينا الدماء يكشفها العل
م فتحكي الدماء سر الأبوه
ورأينا الخيال في الشاعر الصا
دق يفشي لنا معاني البنوه
ورأينا الحياة شتى صلات
معلنات لأصلها هاتفات
فلماذا نحار في الأدب المي
ت وإن كنا في مسوح الحياة؟
كم نراه وليس يدري أباه
أينا حينما عرفناه قبلا
مسخ الناس خلقة الأدب الحر
فشاهت وشاه فرعا وأصلا
قد سئمت التقليد فالكون ما في
ه مثيل لآخر أو منافس
الجحيم الأصيل فيه وحيد
والنعيم الأصيل أصل الفرادس
وكتاب (الطبيعة ) الفاتن الغا
لي عديد الصحائف الملآنه
فعلام الإنسان يغفل ما في
ها ويمسي مضللا إنسانه؟
ناهبا غيره كما يغنم القر
د رخيصا من بندق مسلوب
أين روح الإنسان في الأدب الحي
بقلب معبر للقلوب؟
غمرتني الأطياف وهي كأيتا
م ضعاف قد وسدت في اللحود
كم أديب أتى بها كإساءا
ت لأحلامه وحلم الوجود
أيها الناس، انهضوا! هذه الدن
يا بخير، فما لكم والسكون؟
الحياة الحياة والأثر الحر
هما الوالدان مجد الفنون!
المرأة المسلسلة
من نحو مليون عام
بعثت هذا الضياء
1
فنحن لسنا نراك
وإن أضأت السماء
نراك أمسا بعيدا
فكيف ذا اليوم أنت؟
وأي جبار فكر
يراك مهما نأيت؟
يا للخيال المواتي
اليوم يعجز دونك
يراك لا مثل راء
وليس يدري فنونك
يراك رؤيا عيان
وأنت كالمجهول
ويعبر الدهر شعرا
في حين تكبو العقول
كذاك تحكم فينا
المرأة الجباره
حاكتك أسرا ونورا
ولم تزل سحاره
حاكتك لغزا عميقا
مركبا لا يحل
وكلما لاح علم
تناوب العلم جهل
ليست ألوف الألوف
عمرا لمثلك يذكر
وما عواطف دنيا
شيء لأختك يؤثر
تشكو السلاسل بينا
تقودنا بالسلاسل
وكلنا اليوم عبد
حاكى الأخير الأوائل!
وكلنا ليس يدري
أتلك للعصر تنسب
أم من قرون تراءت
بعصرنا وهي تحجب؟
تحطيم الذرة
حجر الفلاسفة الذين تناوبوا
سر العناصر عاد للأحفاد
كم داعبوه خرافة سحرية
وتراجعوا في حرقة وسهاد
واليوم عاد مجددا ومحققا
في قوة الإصدار والإيراد
في الكهرباء، ويا لها من قوة
علوية عاشت على الآباد!
قهرت نوى الذرات حتى حطمت
صورا من الطاقات والآماد
وكأنها القلب المليء عواطفا
ينهد تحت مصائب وعوادي
فيذيع في دنيا المشاعر وجده
ويسير في الأشواق والأحقاد
ويبث في صور الفنون محولا
ما بين أحياء وبين جماد
وكذلك الذرات هدم بنائها
خلق لأضداد على أضداد
لبنات هذا الكون من لبناتها
وفؤادها ثاو بكل فؤاد
فيها الكهارب كل ما هو قائم
خلف الوجود وكل ما هو بادي
من ذا يقدر والحياة تسابق
بين العقول كحال كل طراد
كيف الغد الحر الجريء يهدها
ويصوغها في حذقه المتمادي
ويهون تشييد البناء لعلمه
مثل الجبال تهون للصياد؟!
من ذا الذي يدري؟ فكم من مضمر
في الغيب يذهل حذق كل رشاد
ولقد يرى الأحفاد أن همومنا
لعب، وليس جهادنا بجهاد!
العباب
وكم من عائب حلمي بعهد
تملكه «التأدب» بالنفاق!
هوى فيه الصغار صغار قوم
حياتهمو شقاق في شقاق
وكم جحدوا، وكم كادوا وكادوا!
كأن اللؤم أجمل ما ألاقي!
فقلت للائمي: دعهم فإني
رأيت البحر زخار المراقي
فليس لهم على الأمواج شأن
وليس لهم بها أدنى لحاق
لقد صغروا فما الأمواج تدري
ولا علموا بقانون البواقي
1
فما ذنبي إذا أدبي تخلت
ضخامته عن «الأدب» المراق؟
يفيض كشاسع الأمواج نورا
جهولا للحقيرات الدقاق
2
لئن ضجوا فما أغنوا، وإني
أظل أنا العباب لكل ساقي
وإن زعموا النبالة والتسامي
فما للسم في الكأس الدهاق؟!
وما لهمو وقد سرقوا فنوني
تردوا في انزلاق وانزلاق؟
غفرت لهم، وإن رقصوا وماجوا
على موجي، وإن غنموا ائتلاقي
غفرت لهم؛ فإن العجز أولى
بإشفاقي ببيئات النفاق
نامعلوم صفحہ