بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بارئ البرايا، ومعطي العطايا، مشرِّعُ شوارع الشرع، ومُظهر قواعد الأصل والفرع، ملةٌ مرضية، وسنةٌ سنية أحمده على ما أقدرني على الحمد بالتوفيق، وأستوفقه على مزيد الطاعات وتكثير التحقيق، وأشهد علمه على إيماني وإسلامي، وأسترحمه عند مضيق حالي وإسلامي، مستشفعًا بنبي الرحمة، وكاشف الغمة محمد -صلى الله عليه- وعلى آله الأخيار، وأصحابه الأبرار.
وبعد:
فإن الإقدام في مثل هذا الأمر الذي أنا بصدده شأو بطين حصن حصين، لا يفتحه إلا من كثر جثوه عند مهرة هذه الصنعة من أولى الألباب، وقرعت مسامعه مرة بعد أخرى بفوائد هذا الكتاب، وكان مع ذلك ذا طبيعة منتجة، وقريحة مبهجة، وكلما وقع في مضيق خرج فيه وجهًا رائعًا،
1 / 137
وأصلا فارعًا لا ممن يحار فيه بالسكوت ولا يهتدي، أو ممن يفرط بالكلام ويعتدي، بل يتكلم مستقيم تقبله الأصول وترتضيه العقول، وكان قد لازم آونة من اختص بتخريج مصنفات فخر الإسلام، وقد بقي أزمنة باستكشاف معضلاته بين أئمة الأنام، راجعًا ومرجعًا، وصادرًا ومصدرًا، وها أنا قد تصديت لشرح هذا الكتاب، وفسر ما يؤتيه بفصل الخطاب بتوفيق الله الملك الوهاب، وهو الكتاب المنسوب إلى الإمام الزاهد المحقق والحبر المدقق ذي البركات الباهرة والكرامات الظاهرة فخر الإسلام أبي الحسن علي بن محمد بن الحسين البزدوي ﵀.
وقد بلغتني رواية هذا الكتاب بالأستاذين المذكورين في «النهاية في شرح الهداية».
1 / 138
مع زيادة أن صاحب الهداية» يرويه عن الشيخ الإمام الزاهد الحافظ نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل النسفي، وهو عن المصنف ﵏ وكان يكثر اقتراح المحكّمين والتماس الملتمسين إياه.
وأنا لا أقبله بل آباه لما أنه هو الغاية القصوى، والطامة الكبرى، فلذا لم أتجاسر
1 / 139
في التارت الأول وأحيان جزائل النبل التي قدمتها من الشروح، وما حوت من الفوائد التي هي متقاربة الخطي في الوضوح وأما هذا الشرح فليس من القبيل، فإن الخابط فيه كثير لا قليل لكن المتطلعين على «الوافي» و«النهاية» أحسنوا الظن بي، واستدلوا بهما على حصول مرادهم على الكفاية حتى اقر نبعوا في الاقتراح على الغاية، فأنينما توجهت إلى البلدان الشاسعة والأسفار الجازعة تضامت كبراؤهم في الاحتكام هنالك، كأنهم تساروا في التواصي على ذلك مع تباين مسافاتهم النازحة، وتباعد طرقهم الطالحة.
قلت: ليس هذا إلا أمرًا قد أراد الله فيه خيرًا، حيث استحسنوه على اللزن «وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن»، ولو لم يكن فيه إلا ما
1 / 140
التمس به أخي في الله الإمام البارع، الورع، الرباني، العالم، الزاهد، الصمداني، سابح بحار الفقه ولحجها وشارح أدلة الشرائع وحججها، منبع عيون الرواية ومشرع متون الدراية، النابذ لأمور الدنيا بحوافها ولذاتها، والمقبل على أمور العقبى بمشاقها وكراتها، الأخ الصديق العطوف، والحب الشفيق برهان الدين أحمد بن أسعد بن محمد الخريف عني البخاري أدامه الله، وشكر مساعيه، وزاد توفيقه في الدين ومعاليه لكان الواجب على التلقي بالاستجابة، والإقبال بالاستطابة، فإن -سلمه الله تعالى- كان يوصيني به مرارًا، ويكرمني بالالتماس به سرًا وجهارًا، فأجبته في ذلك بأمره مؤتمرًا، ولمودته مزدهرًا.
1 / 141
ثم اعلم: أني ضمنت فيه أن أجمع بين نسختي الفوائد:
إحداهما: الفوائد الصادرة من الإمام السابق في البيان الفائق، صاحب الأصول والفروع، ومعدن المعقول والمسموع مولانا بدر الدين محمد بن محمود بن عبد الكريم الفقيهي الشحنوي الكردري ﵀.
والثانية: الفوائد الصدرة من الإمام، العالم، الرباني، العامل، الصمداني، حبر الأمة، محي السنة مولانا حميد الدين الضرير على بن محمد ابن علي الرامُسي البخاري ﵀ مع اختلاف نسخ له فيه، وزدت عليهما ما ليس فيهما مما يقتضيه المشروح بعد الاستحكام، وما يلتجي إليه ذلك الموضوع المنعوت بالاستبهام، واكتفيت عن ذكر المناسبات والانحصارات وسائر ما يعاد ذكره من البينات إلا ما تمس إليه الحاجة من الشرح «الكافي» بما ذكرته في «الوافي» اختيارًا لما يضبط أمره في التبيين، وهو حسبي ونعم المعين.
1 / 142
قال الإمام مولانا بدر الدين الكردري ﵀:الأصل ما يبنى عليه غيره، والفرع ما يبنى على غيره. ثم قال ناقلًا عن الإمام العلامة مولانا شمس الدين الكردري ﵀: فأهل الجاهلية عند الحلول والارتحال كانوا ينشدون الأشعار، فرفعت الشريعة ذلك، وشرعت ذكر اسم الله -تعالى- مكانه، فقالوا: بسم الله أحل وبسم الله أرتحل، فعلى هذا كان في (بسم الله)
1 / 143
محذوف، إما في الأول، أي أبدأ أو ابتدائي بسم الله، أو في الآخر أي بسم الله أبدأ أو ابتدائي. وفي (الرحمن) مبالغة، حتى شمل المؤمن، والكافر، والمطيع، والعاصي، كالعطشان، والغضبان. وفي (الرحيم) دوام، كالجليس والأنيس والنديم، وهذا في حق المؤمن.
قوله ﵀: (الحمد لله خالق النسم، ورازق القسم).
اعلم: أن المصنف ﵀ راعي في هذه الألفاظ ما هو المقُول في شرط التصنيف، وهو أن ذكر التحميد متضمنًا مضمون التأليف من شرط صحة التصنيف، وهذا كذلك، وذلك أن هذا الكتاب صُنف لبيان أصول الفقه.
والفقه: معرفة النفس مالها وما عليها، وهو المنقول عن أبي حنيفة -
1 / 144
﵀ فلما كان الفقه معرفة النفس بدأ الشيخ ﵀ كتابه بقوله: (خالق النسم)، فإن النَّسم جمع نسمة، وهي الإنسان. كذا في الصحاح. ثم أعقبه بقوله: (ورازق القسم) أي الأعطية، لما أن النَّسم محتاجة إلى الأرزاق للبقاء، فكان فيه ذكر ابتداء وجود الأناسي وذكر بقائهم، وهو المرادون في خلق العالم، وإليه وقعت الإشارة في قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾، فكان في ذكر ابتداء خلق الأناسي
1 / 145
وذكر بقائهم عند ابتداء ذكر كتاب أصول الشرائع التي هي مشروعة على الأناسي مناسبة ظاهرة.
ثم إن الله تعالى لما خلق هذا النَّسم على طبائع مختلفة، وأهواء متشتتة، وخلق متفاوتة، بخصائص ولوازم لا تدخل تحت الحصر والوهم، ولا تنضبط في الفهم، من موجبات الحكمة كان مبدعًا للبدائع.
فلذلك قال: (مبدع البدائع)، ثم لما جُبلت هذه البدائع التي هي الأناسي على طبائع متبائنة تهيجهم الشهوة وتزعجهم الغضبة على حسب مألوف طبعهم، ومن جراه يقع بينهم التجاذب، والتضاغن، والتقاتل بحيث يقع به الإفناء. كانوا محتاجين إلى الدين المانع من تلك المخالفة، والجامع على الألفة والموافقة. وهو شرع الشارع الشرائع، فقال: (وشارع الشرائع).
ثم ذكر الوصف الحميد للشرائع؛ لترغيب الطلبة في اكتساب المفاخر الدنيوية وإحراز السعادات العُقبوية، فقال: (دينا رضيًا، ونورًا مضيًا، وذكرًا للأنام، ومطية إلى دار السلام).
فإن قوله: (وذكرًا للأنام) أي وشرفًا، كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ أي شرفكم، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ أي لشرف لك.
1 / 146
وقيل في قوله: (ونورًا مضيًا): صنعة التخيل، كأنه تخيل بهذا قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ فالسراج: الشمس، وهي ضياء كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً﴾، فكأنه جعل الدين شمسًا أي في غاية الظهور والوضوح، وقمرًا أيضًا أي فيه نوع خفاء مع ذلك، فإن الدين في نفسه بين واضح جلي لا يستتر على ذي عينين، وبين خفي مبهم مشكل لا يكاد ينجلي إلا لذي لب متأمل يدرك بتأمله، كالقمر لا يرى فيه شيء إلا بتكلف وتبصر.
ثم انتصاب قوله: (دينًا رضيًا ونورًا مضيًا) على الحال من قوله: (الشرائع) والعامل فيه شارع.
فإن قلت: وشرط الحال أن يكون فيهما معنى الصفة أو تأويل معنى الصفة، وليس هو في قوله: (دينًا) ولا في قوله: (نورًا) فلا يصح انتصابهما على الحال لعدم الشرط.
قلت: فيهما معنى الصفة؛ لوجود معنى الصفة في صفتهما، وهو قوله: (رضيًا، ومضيًا) فكأنه قال: وشرع الشرائع في حال كونها دينًا رضيًا، أي
1 / 147
منعوتًا بالرضا. فكان هذا عين نظير ما ذكر في «الكشاف» في أول حم السجدة في قوله: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾. وقال: هو نصب على الحال؛ أي فصلت آياته في حال كونه قرآنا عربيا.
وكذا ذكر أيضا في سورة الزمر في قوله: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرآنًا عَرَبِيًّا﴾ وهو حال مؤكدة كقولك: جاءني زيد رجلًا صالحًا وإنسانًا عاقلًا، فأوقع قوله: ﴿قُرآنًا﴾ حالًا مع أنه غير صفة لكونه موصوفًا بصفة، فكأنه قيل: موصوفًا بالعربية، فكذلك هنا.
ولما وصف الله تعالى بكونه خالق النِسم، ورازق القسم، ومُبدع البدائع كان مستوجبًا للحمد، فقال: (أحمده على الواسع والإمكان). وإنما خص الوسع والإمكان؛ لأن الحمد لله تعالى على قدر ما يستحقه الله تعالى ليس في وسع البشر ولا في وسع غيره.
ثم ذكر الإمكان مع الوسع؛ لأن الإمكان أعم من الوسع فكانا متغايرين، فصح عطف أحدهما على الآخر، وهذا لأن الوسع عبارة عن القدرة على الشيء والطاقة فيه، فربما كان الشيء ممكنًا في نفسه لكن لم يكن هو مقدورًا
1 / 148
له عليه في الحال كالألوف المنقودة من الدنانير والصباح الممسودة من الجواري مثلًا، فإنها ليست في مقدورك وإن كانت ممكنة في نفسها.
(الرضوان): الرضا.
قوله ﵀: (وأصلي عليه، وعلى آله، وأصحابه، وعلى الأنبياء، والمرسلين).
فإن قلت: سلمنا أن نبينا ﵇ أفضل الأنبياء، فتقديمه على الأنبياء كان أمرًا مستحقًا، فأما الصحابة فليسوا بمفضلين على الأنبياء؛ لما أن الولي -وإن جل قدره- لا يساوي درجة النبي، فكيف الفضل عليها؟ ثم مع ذلك كيف قدم الشيخ -رحمه اله- ذكر الآل والأصحاب على ذكر الأنبياء والمرسلين في ذكر الصلاة عليهم؟!
1 / 149
قلت: ليس هذا من قبيل تفضيل الولي على النبي، بل من قبيل تتميم الصلاة على نبينا ﷺ.
فإن تقديم نبينا ﵇ على سائر الأنبياء لما كان أمرًا مسلَّما كان تقديم وتتميم الصلاة عليه على سائر الأنبياء أيضًا وجب أن يكون أمرًا مسلمًا.
قوله: (العلم نوعان). فقوله: (العلم) مبتدأ، و(نوعان) خبره، فمن شرط المبتدأ أن يكون أخص من الخبر أو مساويًا له ليفيد فائدته، وأما أن يكون المبتدأ أعم من الخبر فلا، فلذلك لا يقال: الحيوان إنسانٌ، ولكن يقال: الإنسان حيوان أو حيوان ناطق.
ثم العلم عام؛ لأنه يتناول علم الفقه والنحو والنجوم غير ذلك.
وقوله: (نوعان) خاص، لما أن العلم أنواع لا نوعان فحسب، فلا يستقيم هذا من حيث الظاهر، لكن المصنف ﵀ أراد من هذا العلم الخاص بدلالة حاله؛ لأنه في بيان الصول، وبيان ما هو للكلف، وما هو عليه، فكان تقديره: العلم الذي نحن بصدده نوعان، أو العلم الذي ابتلينا به نوعان، أو العلم المنجيء نوعان، فكان المبتدأ مساويًا للخبر.
(علم التوحيد والصفات) وإنما ذكر علم التوحيد والصفات هنا مع أنه في بيان أصول الفقه لا في بيان أصول الدين؛ لأنه لما حصر العلم -أي العلم الذي اُبتلي بتعلُّمه- على نوعين لا غير، وجب عليه بيان ذينك النوعين، حتى
1 / 150
أن شمس الأئمة والقاضي أبا زيد -رحمهما الله- لما لم يذكرا في كتابيهما حصر العلم على نوعين، لم يذكرا علم التوحيد والصفات. ثم المصنف ﵀ إنما ذكر حصر العلم على هذين النوعين؛ لأن العلم الذي يهمنا ويسعدنا ويبلغنا إلى درجة الكمال في الدنيا والآخرة، هذا العلم وإن كان اكتساب غيره أيضًا قد يكون من المناقب السنية والفضائل العلية، لكن يكون لك على وجه الوسائل إلى هذا العلم، لا على وجه المقاصد بنفسه. ثم قدم بيان علم أصول الدين على علم الشرائع والأحكام؛ لأن علم أصول الدين أصل جميع العلوم -على ما قررنا في صدر «الوافي» -فوجب تقديمه على غيره.
التوحيد: يكي دانستن، ويكي كفتن، ويكي اعتقاد كردن.
(والصفات) أي العلم بأن لله تعالى صفات؛ من العلم والقدرة، والحياة، وغيرها من صفات الكمال. والله تعالى قديم بجميع صفاته. فيعلم بهذا أنه من المثبتة لا من المعطلة كالمعتزلة.
1 / 151
(وعلم الشرائع) أي العلم بالمشروعات من السبب، والعلة، والشرط، والعلامة، والفرض، والواجب، والسنة وغير ذلك من المشروعات، فكان الشرائع أعم من الفقه والأحكام؛ لأن الفقه هو: الوقوف على المعنى الخفي وعلى الدلائل الشرعية، والحكم هو: الأثر الثابت بالعلة، فكانا أخص من الشرائع كما ترى، ولكن الأحكام هي المقصودة منها، فأفردها بالذكر.
(والأصل في النوع الأول التمسك بالكتاب والسنة). أي الأصل في علم التوحيد والصفات التمسك بالكتاب.
فإن قلت: لا نسلم أن الأصل فيه التمسك بالكتاب والسنة؛ لأنه لو كان
1 / 152
فيه الأصل الكتاب، لما كان أهل الفترة مؤاخين بالتوحيد، بل هم مؤاخذون به بدليل قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾، هذا تنصيص على أن أهل الجاهلية كانوا مؤاخذين بالإيمان قبل نزول الكتاب إليهم. إلى هذا أشار في «التأويلات».
قلت: نعم كذلك، إلا أن ما ذكره المصنف ﵀ في حق أهل التوحيد تدينا، بدليل ما ذكره في النظير من أهل الاعتزال والخوارج، إلا أن بعضهم بسبب الأهواء والبدع ربما أفضى مذهبهم إلى القول بالاشتراك مع أنهم ينزهون أنفسهم عنه، كقول أهل الاعتزال بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، فكانوا قائلين بإشراك العباد في الخلق لله تعالى، فقال المصنف في مثل هذا: إن الأصل في نفي الإشراك وإثبات التوحيد التمسك بالكتاب والسنة،
1 / 153
ففي الكتاب دليل على أن أفعال العباد ليست بمخلوقة لهم لقوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وأفعال العباد شيء، فكان الله خالقا لها أيضًا، وكذلك في الصفات.
وأما قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾، ففي حق أهل الكفر من أهل الجاهلية صريحًا، ولم يكن لهم الكتاب، فكان عليهم أن يتأملوا في التوحيد فيؤمنوا بالله وحده؛ لوضوح الدلائل عليه على ما قال القائل:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فلما لم يتأملوا في التوحيد حتى بقوا على الإشراك كانوا مؤاخين لذلك، ولأن كل واحد من أهل الحق والباطل يدَّعي أن الذي قلته هو موجب العقل لا موجب الهوى، فلا بد من حاكم يحكم بأن الذي قاله هذا الصواب، وهو
1 / 154
موجب العقل لا موجب الهوى، وأما الذي قاله الآخر فهو موجب الهوى وهو باطل، وذلك الحاكم هو الكتاب والسنة، فلما تم الحكم بالكتاب والسنة صار كأن الأصل الكتاب وما يتبعه فيه؛ لأن العبرة للمتمم لا للمبتدئ، فلذلك أضاف الأصالة في التمسك في التوحيد إلى الكتاب والسنة.
(ومجانبة الهوى والبدعة). فالهوى: ميلان النفس إلى ما يستلذ إليه الطبع من غير دليل شرعي على شرعيته، والبدعة هي: الأمر المحدث الذي لم يكن هو من فعل الصحابة ولا من التابعين ولا ما اقتضاه الدليل الشرعي، فكان الهوى على هذا التفسير بالنسبة إلى نفسه، والبدعة بالنسبة إلى غيره.
(ولزوم طريق السنة). أي عقيدة الرسول ﵇ (والجماعة) أي عقيدة الصحابة.
(أدركنا مشايخنا) أي أستاذينا كالإمام أحمد الطواويسي،
1 / 155
والإمام شمس الأئمة الحلواني للمصنف ﵏
(وعامة أصحابهم). وإنما قيد به لما أن بعض أصحاب أبي حنيفة ﵀ كان موسومًا بالبدعة والهوى كبشر المريسي.
1 / 156