Jurisprudential Rules Related to Excess, Separated, and Amputated Parts of the Human Body
الأحكام الفقهية المتعلقة بالأجزاء الزائدة والمنفصلة والمبتورة من جسم الإنسان
اصناف
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١] (^١).
لما كان جسم الإنسان معرضا لسقوط شيء من بشرته، أو أعضائه بقصد، أو غير قصد، وقد يولد الانسان وفيه زيادة كأصبع زائدة في الرجل، أو اليد، فيشكل على المسلم حكم هذه الأشياء المنفصلة، أو الزائدة من حيث القطع، والتغسيل، والصلاة عليها، والدفن، وغيرها من الأحكام فرغبت أن أبحث في الأحكام الفقهية بالأجزاء المنفصلة، بشيء من التفصيل وذلك نظرا لعدم اطلاعي على بحث مستقل يجمع الأحكام الخاصة بها، ووسمته ب (الأحكام الفقهية المتعلقة بالأجزاء الزائدة، والمنفصلة، والمبتورة من جسم الإنسان).
أهمية الموضوع: تبدو أهمية الموضوع من خلال النقاط الاتية:
أولا: حاجة الناس لبيان هذه الأحكام المتعلقة بأعضاء الإنسان المبتورة.
_________
(^١) هذه الخطبة تسمى «خطبة الحاجة» والحديث له روايات فيها اختلاف يسير، أخرجه أبو داود في سننه برقم (٢١١٨) ٢/ ٢٣٨، والترمذي في سننه برقم (١١٠٥) ٣/ ٤٠٥، والنسائي في سننه برقم (١٤٠٤) ٣/ ١٠٤، وابن ماجه في سننه برقم (١٨٩٢) ١/ ٦٠٩، وأحمد في مسنده برقم (٣٧٢٠) ٦/ ٢٦٢، والدارمي في سننه برقم (٢٢٤٨) ٣/ ١٤١٣، والحاكم في المستدرك برقم (٢٧٤٤) ٢/ ١٩٩، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (٥٨٠٢) ٣/ ٣٠٤. وصححه ابن الملقن في البدر المنير ٧/ ٥٣٠. وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (١١٠٥) ٣/ ١٠٥، وله رسالة خاصة بها، أورد طرقها، وصححها.
40 / 215
ثانيا: ارتباط الموضوع بالحياة العملية، كالحلق للنسك، أو تطبيقا لخصال الفطرة، أو حوادث السيارات، والآلات الناتج عنها البتر، والقطع وغيرها.
ثالثا: ربط العلم الشرعي بالنوازل المعاصرة المرتبطة بالموضوع.
رابعا: أن مسائل هذا الموضوع متفرقة في بطون كتب الفقه، فجمعها في بحث مستقل مما يساعد على تقريب العلم، وجمع ما تفرق منه.
الدراسات السابقة: من خلال بحثي واستقرائي لا يوجد بحث مستقل جامع للمسائل التي تطرقت إليها في هذا البحث، وما وجدت في بعض البحوث والرسائل قد يكون تطرق لمسألة، أو أكثر، ولكن لم يحط بمسائل هذا الموضوع، ومن الكتب التي اطلعت عليها ما يلي:
١ - رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بعنوان (أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها) للباحث: محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
٢ - رسالة علمية لنيل درجة الماجستير بعنوان (الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي) للباحث: عصمت الله عناية الله محمد، جامعة أم القرى عام ١٤٠٧ هـ.
٣ - بحث (جراحة التجميل المعاصرة في ضوء الشريعة والقوانين الوضعية) للباحث: أحمد بن سليمان الريش الاستاذ المشارك بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض ١٤٢٤ هـ.
وهذه البحوث مليئة بالمادة العلمية المتعلقة بالموضوع، ولكنها لم تستوعب جميع المباحث التي تطرقت إليها فأضفت إليها مالم يوجد بها، أو زدت فيها دليلا، أو تعليلا، أو نقولات لأهل العلم، فرغبت جمع مسائل الموضوع من أكثر من جانب والكمال لله، والنقص والزلل من طبيعة البشر.
حدود البحث: سيكون البحث في الأشياء المنفصلة غير السائلة، كالشعر، والظفر، والأصابع الزائدة، والأعضاء المبتورة ونحوها، فلا يشمل ما يخرج من
40 / 216
الإنسان مما يسيل من السبيلين كالبول، والغائط، والمني، والمذي، أو من غير السبيلين، كالدم، والقيء، واللبن، والمخاط وغيرها، ولم أتعرض في هذا البحث لمسألة التبرع بالأعضاء سواء كان ذلك في حال الحياة، أم بعد الموت لكثرة الرسائل العلمية، والقرارات الصادرة من المجامع الفقهية حول هذا الموضوع، فاكتفيت بالإحالة إليها (^١)، وخوفا من الإطالة في صفحات البحث.
منهج البحث: ولقد سرت في بحثي على المنهج النظري الاستقرائي التحليلي، عبر المصادر المتنوعة، مراعيا التدرج، والترابط، والشمولية في طرح المعلومات.
إجراءات البحث:
١ - قمت بالتعريف اللغوي، والاصطلاحي لمفردات البحث.
٢ - جمعت المسائل المتعلقة بفقه الأجزاء المنفصلة، موردا الخلاف مع الأدلة، والترجيح.
٣ - إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق بين الفقهاء، فإني أذكر حكمها بدليله، مع توثيق ذلك.
٤ - إذا كانت المسألة من مواضع الاختلاف فأتبع ما يأتي:
أ- أذكر الأقوال في المسألة مع نسبة كل قول إلى قائله.
ب- أوثق القول من المصادر الأصيلة لكل مذهب.
ت- أراعي عند عرض الأقوال في المسألة الترتيب الزمني للمذاهب، وأتُبع
_________
(^١) منها ما يلي: (١) بحث بعنوان (الضوابط الشرعية للتبرع بالأعضاء) المؤلف: عبدالحق بن أحمد خميس.
(٢) كتاب بعنوان (قضايا فقهية في نقل الأعضاء البشرية). المؤلف: عارف علي عارف القره داغي.
(٣) رسالة بعنوان (بيع الأعضاء البشرية لزرعها للمحتاجين إليها من منظور علماء الإسلام) المؤلف: فاطمة طبطبائي.
(٤) رسالة بعنوان (رسالة أحكام نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي) المؤلف: الدكتور يوسف الأحمد.
(٥) بحث بعنوان (الجراحة التجميلية) المؤلف: الدكتور حسان شمسي باشا.
(٦) رسالة بعنوان (أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها) المؤلف: محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
(٧) بحث بعنوان (حكم التبرع بالأعضاء في ضوء القواعد الشرعية والمعطيات الطبية) المؤلف: محمد نعيم عبدالسلام.
(٨) بحوث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الرابع، وقد ذكر بكر أبو زيد في المجلة أكثر من أربعين بحثا تتعلق بالموضوع.
40 / 217
كلّ قول بأدلته، مع بيان وجه الاستدلال من الدليل، وما ورد على الدليل من مناقشة إن وجد، ومارُدّ به على تلك المناقشة، متى كانت الحاجة داعية إلى شيء من ذلك.
ث - بعد الانتهاء مما سبق يصار إلى الترجيح بين الأقوال في المسألة.
٥ - كتابة الآيات القرآنية بالرسم العثماني، مع بيان اسم السورة، ورقم الآية في الحاشية.
٦ - خرجت الأحاديث النبوية، وما كان في الصحيحين، أو أحدهما اكتفيت به، وما كان في غيرهما فأخرجه، وأبين حكم العلماء عليه من حيث الصحة، والضعف.
٧ - خرجت الآثار الواردة مع بيان الحكم عليها.
٧ - شرحت الألفاظ الغريبة، التي تحتاج إلى بيان.
٨ - وضعت فهرسا للمصادر والمراجع، وفهرسا للموضوعات.
٧ - لم أترجم للأعلام الوارد ذكرهم حتى لا أثقل الحواشي.
خطة البحث: وتشتمل على مقدمة، وتمهيد، وثمانية مطالب على النحو التالي:
المقدمة وفيها منهج البحث وخطته.
التمهيد وفيه بيان تكريم الإنسان في الشريعة الإسلامية.
المطلب الأول: تعريف الأجزاء، والانفصال، والبتر.
المطلب الثاني: وضوء الأقطع.
المطلب الثالث: حكم الأجزاء المنفصلة، من حيث الطهارة والنجاسة.
المطلب الرابع: حكم الأجزاء المنفصلة، من حيث الدفن، أو الرمي.
المطلب الخامس: مألات الأجزاء المنفصلة من الجسم، من حيث الصلاة عليها، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن يكون صاحب العضو المقطوع حيا.
40 / 218
المسألة الثانية: أن يكون صاحب العضو المقطوع ميتا.
المطلب السادس: حكم زراعة الأعضاء بعد قطعها في جسم صاحبها وفيه مسألتان.
المسألة الأولى: زرع العضو بعد قطعه في حد أو قصاص.
المسألة الثانية: زرع العضو بعد قطعه في غير الحد أو القصاص.
المطلب السابع: قطع الزوائد من جسم الإنسان، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قطع وإزالة الزوائد من باب الضرورة.
المسألة الثانية: قطع وإزالة الزوائد من باب التجميل.
المطلب الثامن: حكم بيع أجزاء الإنسان.
الخاتمة: وفيها ذكر أهم النتائج، والتوصيات.
الفهارس: وتشمل:
١/ فهرس المصادر والمراجع.
٢/ فهرس الموضوعات.
40 / 219
ملخص البحث
١/ أن أجزاء وأعضاء الإنسان المنفصلة عموما طاهرة على القول الراجح.
٢/ يجب دفن الأجزاء المنفصلة التي فيها حياة كاليد والاصبع.
٣/ الأفضل دفن الأجزاء المنفصلة التي لاحياة فيها كالشعر وذلك من باب التكريم
٤/ يجوز على القول الراجح زراعة العضو المقطوع في غير حد، أو قصاص.
٥/ يجوز بتر، وقطع الأعضاء الزائدة من باب الضرورة، والحاجة.
٦/ لا يجوز بتر وقطع الأعضاء الزائدة من باب التحسين، والتجميل.
٧/ لا يجوز بيع أعضاء الانسان على القول الراجح وذلك حفاظا على كرامة الانسان.
40 / 221
التمهيد: تكريم الإنسان في الشريعة الاسلامية.
جاءت النصوص الكثيرة في تشريف الله لبني آدم وتفضيله على كثير من خلقه، فقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (^١)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» (^٢)، فهذا الحديث يدل على آداب وشمائل لحسن التعامل بين المسلمين، وبيان حرمة دم المسلم وماله وعرضه، ولذا كان من مقاصد الشريعة الإسلامية أن جاءت لحماية الضرورات الخمس (الدين، والنفس، والعِرض، والمال، والعقل) (^٣)، كما راعى الإسلام حرمة المسلم حيًا، وميتًا فجاءت النصوص بتحريم كسر عظم الميت، والنهي عن إيذائه، والنهي عن وطء قبره، وغيرها من النصوص الدالة على تكريمه.
فعن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ، كَكَسْرِهِ حَيًّا» (^٤).
_________
(^١) الإسراء: ٧٠.
(^٢) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله
برقم (٢٥٦٤) ٤/ ١٩٨٦.
(^٣) ينظر: المحصول ٥/ ١٦٠، والوجيز في أصول الفقه الإسلامي ١/ ١٢٥.
(^٤) أخرجه أحمد في المسند برقم (٢٤٦٨٦) ٤١/ ٢١٨، وأبو داود في سننه برقم (٣٢٠٧) ٥/ ١١٦، وابن ماجه في سننه برقم (١٦١٦) ٢/ ٥٤١، وغيرهم وصححه النووي في الخلاصة برقم (٣٦٩٤) ٢/ ١٠٣٥، وابن الملقن في البدر المنير ٦/ ٧٦٩، والألباني في الإرواء برقم (٧٦٣) ٣/ ٢١٣.
40 / 225
وفي حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» (^١)، وإن مما يزيد تشريف بني آدم عموما تسخير الله له ما في السموات، وما في الأرض، وإسباغ النعم عليه كما في قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ (^٢).
المطلب الأول: تعريف الأجزاء، والانفصال، والبتر.
الأجزاء لغة: جمع جُزْءٍ، والجزء بعض الشيء، وهو مذكر، ويقال: أجْزأتُ منه جزءًا، أي: أخذتُ منه جزْءًا وعزلته (^٣).
الانفصال لغة: الانقطاع، يقال: فصل الشيء فانفصل، أي قطعه فانقطع، وهو ضد الاتصال (^٤).
والبتر لغة: بتر الشّيء يبتره بترا، إذا قطعه وكل قطع بتر، ومنه سيف باتر، أي قاطع، يقال: بتر الذنب، أو العضو إذا قطعه واستأصله، كما يطلق على قطع الشيء دون تمام (^٥).
وقد استعمل اصطلاحا بهذين المعنيين عند الفقهاء، وقد يطلق على كلٍ قطع.
أنواع البتر: قد يكون بتر جزء من الإنسان، أو إزالة شيء من بشرته عن طريق العمد، وله صور متعددة هي (^٦):
_________
(^١) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه برقم (٩٧١) ٢/ ٦٦٧.
(^٢) لقمان: ٢٠.
(^٣) ينظر: العين ٦/ ١٦٣، والمطلع على ألفاظ المقنع (ص: ١٨٦)، ومعجم اللغة العربية المعاصر ١/ ٢٢٧.
(^٤) ينظر: تاج العروس ٣٠/ ١٧٠، ومعجم لغة الفقهاء ١/ ٩٣.
(^٥) ينظر: جمهرة اللغة ١/ ٢٥٣، والمحكم والمحيط الأعظم ٩/ ٤٨٣، والمصباح المنير ١/ ٣٥.
(^٦) الموسوعة الفقهية الكويتية ٨/ ١٠.
40 / 226
الأولى: أن يكون بجناية.
الثانية: أن يكون بحق، كقطع اليد قصاصا، أو حدًا.
الثالثة: أن يكون وسيلة من وسائل العلاج كقطع اليد المصابة بالآكلة، أو التسمم، أو التعفن.
الرابعة: أن يكون سببا للطهارة، والنظافة، كالختان (^١)، وخصال الفطرة (^٢).
وقد يكون الانفصال، والبتر بلا تعمد، وله أسباب كثيرة منها:
الأول: ما يكون بسبب إصابات كحوادث السيارات، وآثار الحرائق، وأخطار الآلات، وهجوم الحيوانات المفترسة، وغيرها.
الثاني: ما يكون بسبب الحمل والولادة كمن تلد سقطا (^٣)، وما يتبع الولادة كالْمَشِيمَة (^٤).
الثالث: ما يسقط عادة كالسن، والظفر، والشعر (^٥).
_________
(^١) الختن: القطع، والختان: وهو إزالة الجلدة التي تغطي حشفة الذكر حتى تبرز، وفي حق المرأة: قطع بعض جلدة عالية مشرفة على الفرج، ويكون زمن الصغر؛ لأنه أسرع برأً، ولينشأ الصغير على أكمل الأحوال، ينظر: المطلع على أبواب المقنع ص ٢٩، ومعجم لغة الفقهاءص ١٩٣، ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ٢/ ١٦، والملخص الفقهي ١/ ٣٧.
(^٢) وهي ثابتة في الصحيحين، وغيرهما من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب قص الشارب برقم (٥٨٨٩) ٧/ ١٦٠، ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم (٢٥٧) ١/ ٢٢١.
(^٣) السقط: بكسر السين، وفتحها، وضمها، هو: المولود قبل تمامه، أو الذي يسقط من بطن أمه ميتا بعد ظهور خلقه. ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع ص: ١٤٩، ومعجم لغة الفقهاءص ١٩٣، ومعجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ٢/ ٢٧٦.
(^٤) المشيمة هي: جلد رقيق مثل الكيس، أو الغشاء يكون فيه المولود في بطن أمه. ينظر: جمهرة اللغة ١/ ٦١١، المصباح المنير ١/ ٣٢٩، وتاج العروس ٣٢/ ٤٨٤، والمعجم الوسيط ١/ ٥٠٤.
(^٥) قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع ١٢/ ٤٠٣: (الشعر في الجسم له ثلاث حالات: مأمور به، ومنهي عنه، ومسكوت عنه.
فالمأمور به: العانة، والإبط، والشارب، وهذه تزال ولا إشكال.
والمنهي عنه: اللحية بالنسبة للرجال، والنمص بالنسبة للرجال والنساء.
والمسكوت عنه: اختلف العلماء ﵏، هل يجوز، أو يكره، أو يحرم؟ والذي أراه أنه لا بأس به؛ لأنه مسكوت عنه، لكن الأولى ألا يزال إلا إذا كان مشوها؛ لأن الله لم يخلق هذا إلا لحكمة، فلا تظن أن شيئا خلقه الله إلا لحكمة، لكن قد لا تعلمها).
40 / 227
المطلب الثاني: وضوء الأقطع.
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة (^١) على أن صاحب العضو المقطوع يجب عليه غسل ما بقي من عضوه، فمثلا وضوء من قُطِعَت يده من مفصل الكف (الرسغ) (^٢) فيجب عليه غسل باقي الفرض من يده، ومن قطعت أصابع رجله فيجب عليه غسل الباقي.
قال في الدر المختار (^٣): [قال في البحر: ولو قُطِعَت يده، أو رجله فلم يبق من المرفق، والكعب شيء سقط الغَسل، ولو بقي وجب].
وقال في مواهب الجليل (^٤): [إذا قُطِعَ بعض محل الفرض، وجب غسل ما بقي منه بلا خلاف].
وقال في السراج الوهاج (^٥): [وكذا غسل الصحيح من باقي العضو العليل، يجب على المذهب].
وقال في الإنصاف (^٦): [إن بقي من محل الفرض شيء، فيجب غسله بلا نزاع].
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (^٧)، وقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (^٨).
_________
(^١) ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين ١/ ١٠٢، والشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي ١/ ٨٧، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ١/ ١٧٥، والإنصاف ١/ ١٦٤، والموسوعة الفقهية الكويتية ٤٣/ ٣٤٢.
(^٢) الرسغ هو: مفصل الكف عن الذراع. ينظر: تهذيب اللغة ٢/ ٦٢، والقاموس المحيط ١/ ٧٣١، ولسان العرب ٨/ ١٦٨.
(^٣) الدر المختار وحاشية ابن عابدين ١/ ١٠٢.
(^٤) مواهب الجليل ١/ ١٩١.
(^٥) السراج الوهاج ص: ٢٦.
(^٦) الإنصاف ١/ ١٦٤.
(^٧) التغابن: ١٦.
(^٨) البقرة: ٢٨٦.
40 / 228
وجه الدلالة: أنه يجب غسل الباقي من العضو؛ لأن ذلك مما يستطيعه الإنسان وبدون كلفة، ولا مشقة.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة ﵁ وفيه قول النبي ﷺ «… وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (^١).
وجه الدلالة: أن المأمورات مبناها على القدرة والاستطاعة، فمن قدر على فعل بعض المأمور به، وعجز عن باقيه، وجب عليه فعله، ولا يجوز ترك الكلّ بدعوى عدم القدرة على البعض، بل يجب على المكلّف فعل ما يقدر عليه؛ لأنّ القدرة على الفعل شرط من شروط التّكليف، فالأمر الّذي يستطيع المكلّف فعله وهو قادر عليه، لا يسقط بما عجز عنه، أو شقّ عليه فعله (^٢).
الدليل الثالث: الإجماع وهو من أقوى الأدلة (^٣)، وقد نقل عدم الخلاف الحطاب، والمرداوي (^٤) كما سبق كلامهم في أول المطلب.
الدليل الرابع: القاعدة الفقهية [الميسور لا يسقط بالمعسور] (^٥).
ومعنى هذه القاعدة: [أن الأمر الذي يستطيع المكلف فعله، وهو يسير عليه، لا يسقط بما شق فعله عليه، أو عَسُر] (^٦).
كما أن الشافعية، والحنابلة (^٧) يرون استحباب غسل باقي العضو، ولو كان مقطوعا من فوق المفروض، فمن قُطِعَت يده مع المرفق فيستحب له غسل
_________
(^١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم (٧٢٨٨) ٩/ ٩٤.
(^٢) موسوعة القواعد الفقهية ٨/ ٩٥٤.
(^٣) وهو: اتفاق علماء العصر من أمة محمد ﷺ على أمر من أمور الدين، والإِجماع حجة، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمَّةُ على الخطأ. ينظر: العدة في أصول الفقه ٤/ ١٠٥٨، والدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع ٣/ ٢٠٥، وروضة الناظر وجنة المناظر ١/ ٣٧٦.
(^٤) ينظر: مواهب الجليل ١/ ١٩١، والإنصاف ١/ ١٦٤.
(^٥) ينظر: الأشباه والنظائر لتاج الدين السبكي ١/ ١٥٥،. الأشباه والنظائر، للسيوطي ١/ ١٥٩.
(^٦) ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام ٢/ ٧، والوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية ١/ ٣٩٦.
(^٧) ينظر: أسنى المطالب ١/ ٣٢، وعمدة السالك ١/ ١٣، والمبدع ١/ ١٠٨، والإنصاف ١/ ١٦٤.
40 / 229
العضد، ومن قُطِعَت رجله مع الكعب فيستحب له غسل الساق، ولهم تعليلات منها:
أولا: حتى لا يترك العضو بلا طهارة.
قال في شرح منتهى الإرادات (^١): [وعلم منه أن الأقطع من فوق مفصل مرفق، وكعب لا غسل عليه، لكن يستحب له مسح محل القطع بالماء، لئلا يخلو العضو عن طهارة].
وقال في مغني المحتاج (^٢): [… أو قطع من فوقه - أي المرفق - ندب غسل باقي عضده؛ لئلا يخلو العضو عن طهارة].
ثانيا: من أجل تطويل التحجيل (^٣).
ثالثا: قياسا على إمرار الموسى على الرأس في الإحرام فيمن عدم الشعر، كمن كان أصلع.
قال في الإنصاف (^٤): [لو عدم الشعر استحب له إمرار الموسى قاله الأصحاب].
وقال في الوسيط (^٥): [فإن لم يكن على رأسه شعر، فيستحب إمرار الموسى على الرأس، ولا يجب].
كما اتفقوا على أن من خُلِق له في محل الفرض عضو زائد، كالأصبع الزائدة في القدم، أو اليد فإنه يجب غسلها مع الأصلية، لأنها تابعة لها فتأخذ أحكامها (^٦).
والقاعدة الفقهية تقول: [التابع تابع].
_________
(^١) شرح منتهى الإرادات ١/ ٥٨.
(^٢) مغني المحتاج ١/ ١٧٥.
(^٣) ينظر: أسنى المطالب ١/ ٤٠، ومغني المحتاج ١/ ١٩١، والمبدع ١/ ١٠٨.
(^٤) الإنصاف ٤/ ٣٩.
(^٥) الوسيط ٢/ ٦٦٤.
(^٦) ينظر: مواهب الجليل ١/ ١٩٤، وروضة الطالبين ١/ ٥٢، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام ١/ ٣٥٥، والموسوعة الفقهية الكويتية ٣٠/ ١٤٧، والفقه الإسلامي وأدلته ١/ ٣٧٠، وموسوعة أحكام الطهارة ١٠/ ٤٩٧.
40 / 230
ومعناها: [إن ما كان تابعًا لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم، بل يدخل في الحكم مع متبوعه].
والمراد بالتابع هنا: ما لا يوجد مستقلا بنفسه، بل وجوده تابع لوجود غيره، فهذا لا ينفك حكمه عن حكم متبوعه (^١).
وفي هذا المطلب يتبين يسر الشريعة، وسماحة الدين، وأن أحكامه مبنية على رفع الحرج عن المكلف، وأن المسلم يعمل ما يقدر عليه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأن مع العسر يسرا.
المطلب الثالث: حكم الأجزاء المنفصلة من حيث الطهارة، والنجاسة.
هذه المسألة مبنية على الخلاف في ميتة الآدمي من حيث الطهارة والنجاسة، لذا اختلف الفقهاء في الأجزاء المنفصلة من حيث ذاتها (طهارة، ونجاسة) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الأجزاء المنفصلة من جسم الإنسان طاهرة مطلقا، وبه قال عامة الفقهاء، وهو المعتمد عند المالكية، وهو الصحيح عند الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، وقول عطاء بن أبي رباح، وعطاء الخراساني، وهو اختيار أبي بكر من الحنابلة، والبخاري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن رجب، وابن حجر، والشوكاني (^٢) وغيرهم.
قال في منح الجليل (^٣): [فالمنفصل من آدمي حي، أو ميت طاهر على المعتمد].
وقال في مغني المحتاج (^٤): [فالمنفصل من الآدمي، أو السمك، أو الجراد طاهر].
_________
(^١) الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية ص: ٣٣١.
(^٢) ينظر: حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ١/ ٥٤، ومنح الجليل شرح مختصر خليل ١/ ٥١، والمجموع ١/ ٢٣٢، والمغني ١/ ٥٩، وأيضا ٨/ ٣٢٥ والكافي ١/ ٥٠، وصحيح البخاري ١/ ٢٦٤، ومجموع الفتاوى ٢٢/ ٢٠١، والفتاوى الكبرى ١/ ٢٧٢، وفتح الباري لابن رجب ١/ ٣٤٣، وفتح الباري لابن حجر ١/ ٢٧٤، ونيل الأوطار ١/ ٧٩، وقد نقل ابن هبيرة في الافصاح ١/ ٦١: (اتفاق الفقهاء على أن صوف الميتة وشعرها طاهر).
قلت: فطهارة شعر الإنسان من باب أولى.
(^٣) منح الجليل شرح مختصر خليل ١/ ٥١.
(^٤) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ١/ ٢٣٥.
40 / 231
وقال المرداوي (^١): [وإن سقطت سنه، فأعادها بحرارتها، فثبتت، فهي طاهرة، هذا المذهب، وعليه الجمهور، وقطع به أكثرهم …].
وقال في الروض المربع (^٢): [وما سقط منه - أي من آدمي - من عضو، أو سن فهو طاهر]. واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
الدليل الأول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (^٣).
وجه الدلالة: أن القول بالطهارة هو الموافق للآية وللنصوص الواردة بتكريمه (^٤).
الدليل الثاني: حديث أنس ﵁ قال: «لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ ﷺ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ»، فَقَالَ: «احْلِقْ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ»، فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ» (^٥).
وجه الدلالة: أنه لو لم يكن طاهرا لما قسمه النبي ﷺ بين الصحابة ﵃.
ونوقش: بأنه من خصوصيات النبي ﷺ.
وأجيب: بأن الأصل مشاركة الرسول ﷺ لأمته في الأحكام، إلا ما دل الدليل على اختصاصه، ولا دليل هنا فيبقى الحكم على العموم.
الدليل الثالث: حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: «… إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» (^٦).
_________
(^١) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ٣/ ٢٩٥.
(^٢) الروض المربع ١/ ٧٩.
(^٣) الإسراء: ٧٠.
(^٤) ينظر: رسالة أحكام الشعر في الفقه الإسلامي للباحث عبدالله السماعيل ص ١٤٦.
(^٥) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق، برقم (١٣٠٥) ٢/ ٩٤٧، وفي صحيح البخاري جزء منه، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به، برقم (١٧١) ١/ ٤٥.
(^٦) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، برقم (٢٨٥) ١/ ٦٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب الدليل على أن الماء لاينجس، برقم (٣٧١) ١/ ٢٨٢.
40 / 232
الدليل الرابع: حديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا» (^١).
وجه الدلالة: أن المؤمن طاهر حيا، وميتا سواء المتصل به، أو المنفصل عنه، وذلك لعموم الأحاديث.
الدليل الخامس: ما فعله النبي ﷺ حيث إنه رد حدقة عين قتادة بن النعمان ﵁ لما أصيب في يوم أحد، وأعادها إلى موضعها (^٢).
وجه الدلالة: أن المنفصل من الجسم طاهر، فلو كان نجسا لما ردّ النبي ﷺ حدقة عين قتادة بن النعمان ﵁.
الدليل السادس: حديث ابن عباس ﵄ قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ (^٣) - قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ (^٤)، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (^٥).
وجه الدلالة: أنه لو كان نجسا لما نفع به التغسيل، وأيضا التغسيل هو من باب التكريم والنظافة.
الدليل السابع: أن القول بنجاسة ما انفصل من جسم الإنسان فيه حرج، ومشقة، ويصعب على الناس التحرز منه؛ لكثرة ما يسقط منه، وعموم البلوى به،
_________
(^١) أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (١٤٢٢) ١/ ٥٤٢، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وأخرجه الدارقطني في سننه برقم (١٨١١) ٢/ ٤٣٠، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (١٤٦٣) ١/ ٤٥٧، وصحح إسناده الألباني كما في السلسلة ١٣/ ٦٦٧.
(^٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (٣٢٣٦٤) ٦/ ٤٠٠، والهيثمي في المقصد الأعلى في زوائد أبي يعلى الموصلي برقم (١٢٧٧) ٣/ ١٥٦.
(^٣) وقصته: أي ألقته ودقت عنقه، ينظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: ١٤)، والمعجم الوسيط ٢/ ١٠٤٩.
(^٤) التخمير: التغطية. ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال ٩/ ٦٧، وشرح النووي على مسلم ١٣/ ١٨٢.
(^٥) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، برقم (١٢٦٥) ٢/ ٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم (١٢٠٦) ٢/ ٨٦٥.
40 / 233
والشريعة الإسلامية جاءت برفع الحرج، والمشقة، والعنت، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (^١)، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (^٢)
القول الثاني: أن المنفصل من جسم الإنسان نجس مطلقا، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية (^٣)، وقول في المذهب المالكي (^٤)، والمعتمد عند الشافعية (^٥)، ورواية عن أحمد (^٦).
قال الشافعي في الأم (^٧): [وإذا كسر للمرأة عظم فطار فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا، وكذلك إن سقطت سِنَّة صارت ميتة فلا يجوز له أن يعيدها بعد ما بانت].
وقال النووي في المجموع (^٨): [وأما إذا انفصل جزء من جسده كيده، وظفره فقطع العراقيون، أو جمهورهم بنجاسته …].
وقال في الإنصاف (^٩): (وأما شعر الآدمي المنفصل، فالصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، طهارته، قطع به كثير منهم، وعنه نجاسته، غير شعر النبي ﷺ. ويستدلون بما يلي:
الدليل الأول: الآية الكريمة ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ (^١٠).
_________
(^١) الحج: ٧٨.
(^٢) البقرة: ١٨٥.
(^٣) ينظر: المبسوط ٢٦/ ٩٨، وتحفة الفقهاء ١/ ٥٢، وبدائع الصنائع ٧/ ٣١٥.
(^٤) ينظر: التاج والإكليل ١/ ١٤١، ومواهب الجليل ١/ ٩٩، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ١/ ٥٣.
(^٥) ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي ١/ ٤٢٤، والمجموع ١/ ٢٣٢، وروضة الطالبين ١/ ١٥.
(^٦) ينظر: المغني ٨/ ٣٢٥، والشرح الكبير ٩/ ٤٣١. وشرح الزركشي ١/ ١٦٢، والمبدع ١/ ٥٥، الإنصاف ١/ ٩٣.
(^٧) ينظر: الأم ١/ ٧١.
(^٨) ينظر: المجموع ١/ ٢٣٢.
(^٩) الإنصاف ١/ ١٨٣. قلت: فإذا كان في المذهب رواية بنجاسة الشعر، وهو ليس فيه حياة، فنجاسة ما فيه دم وحياة من باب أولى.
(^١٠) الأنعام: ١٤٥.
40 / 234
وجه الاستدلال: أن الآية عامة تشمل ميتة الآدمي، وغيره، فيكون نجسا بانفصاله.
ويناقش: بأن المراد به ما خرج من الحيوانات، وهن أحياء، وما يخرج من الأوداج عند الذبح (^١).
وأيضا المراد بها الحيوان، ولا يقاس الإنسان على الحيوان في الأحكام.
الدليل الثاني: حديث أبي واقد ﵁، وفيه قوله ﷺ: «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتٌ» (^٢).
وجه الدلالة: أن ما قطع من الإنسان وهو حي فإنه نجس؛ لأن ميتة الإنسان نجسة بدليل تغسيله بعد موته، وإن ورد على سبب خاص، فالصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما في آيات اللعان، والظهار، فقد نزلت لسبب خاص وبقي عمومها لسائر الأمة (^٣).
ويجاب عنه بما يلي: بأن الإنسان لا يطلق عليه بهيمة، وهذا الحديث مقيد بلفظه، وسببه بالبهيمة، فلا يتجاوزها إلى غيرها، كما أن المراد بذلك هي ميتة الحيوان، بدليل إيراد الفقهاء هذا الحديث في باب الصيد، والذكاة، والطهارة (^٤)، ويؤيده المناسبة التي ورد بها هذا الحديث حيث قال أبو واقد ﵁: كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتَ الْغَنَمِ فَيَأْكُلُونَهَا، وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ
_________
(^١) ينظر: تفسير البغوي ٢/ ١٦٦، واللباب في علوم الكتاب ٨/ ٤٨٥.
(^٢) أخرجه أحمد في المسند برقم (٢١٩٠٣) ٣٦/ ٢٣٣، وأبو داود في سننه برقم (٢٨٥٨) ٤/ ٤٧٩، والترمذي في جامعه برقم (١٤٨٠) ٤/ ٧٤، وابن خزيمة في صحيحه رقم (٣٣٣) ٢/ ١٣٧٧، والدار قطني في سننه برقم (٤٧٩٢) ٥/ ٥٢٧، وابن الجارود في المنتقى برقم (٨٧٦) ١/ ٢٢١، والحاكم في المستدرك برقم (٧١٥٠) ٤/ ١٣٧، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (٧٧) ١/ ٣٥.
(^٣) الجوهر النقي ٩/ ٢٤٥.
(^٤) ينظر للحنفية: المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ١/ ٢٦٦، وللمالكية: بداية المجتهد ١/ ٨٥، وللشافعية: نهاية المطلب ١/ ٣٣، وللحنابلة: المغني ٩/ ٤٠٢.
40 / 235
فَهُوَ مَيِّتٌ» (^١)، وأما تغسيله بعد موته فيراد به النظافة، والكمال، وليس التطهير من النجاسة.
وقد رد ابن العربي على من قال بأنها ميتة، وأنها نجسة فقال: [وهذا غلط بين، وقد جهل من خفي عليه أن ردّها وعودها لصورتها موجب عَودَها لحكمها؛ لأن النجاسة كانت فيها للانفصال، وقد عادت متصلة، وأحكام الشريعة ليست صفات للأعيان، وإنما هي أحكام تعود إلى قول الله سبحانه فيها، وإخباره عنها] (^٢).
وقد أثبت الطب الحديث أيضا أن بعض الأعضاء تبقى الحياة فيها لمدة معلومة حتى بعد موت صاحبها (^٣)، فبهذا يحكم على هذه الأعضاء بعدم النجاسة لأن الحياة باقية فيها.
القول الثالث: بالتفريق بين ما انفصل عن جسم الإنسان (^٤)، إن كان فيه حياة، ودم، مثل اليد، والأنف، والأذن، فيقولون بنجاسته، ومالم يكن فيه حياة، ولادم، مثل الشعر، والظفر فيحكمون بطهارته، وهو القول المعتمد عند الحنفية، وقول عند الشافعية، ورواية في مذهب أحمد (^٥).
_________
(^١) سبق تخريجه في الدليل الثاني من أدلة هذا القول.
(^٢) أحكام القرآن ٢/ ١٣٤، فقه النوازل ٢/ ٢٧.
(^٣) أعضاء الإنسان بعد نزعها من الجسم تختلف في مدة بقائها صالحة لزرعها في الجسم الآخر وتسمى في لغة الأطباء (فترة نقص التروية) وبعد ذلك تكون تالفة تلفا لا رجعة فيه، من ذلك أن الكلى تبقى (٤٥) دقيقة، والكبد (٨) دقائق، والبنكرياس (٢٠) دقيقة، والعظم والقرنية (٢٤) ساعة، وبمكن حفظها لتبقى صالحة مدة أطول عن طريقين إما التبريد، أو التجميد مع مراعاة أمور طيبة أخرى لمنع فساد الخلايا. ينظر: المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية ص ٣٩٢.
(^٤) وابن حزم يفرق بين المسلم والكافر، فما انفصل من جسم المؤمن فهو طاهر، وما انفصل من الكافر فهو نجس. ينظر: المحلى ١/ ١٣٧.
(^٥) ينظر للحنفية: تحفة الفقهاء ١/ ٥٢، وبدائع الصنائع ١/ ٦٣، والجوهرة النيرة ١/ ١٦، وللشافعية: البيان في مذهب الإمام الشافعي ١/ ٤٢٤، والمجموع ١/ ٢٣٢، وللحنابلة: شرح الزركشي ١/ ١٦٢، والمبدع ١/ ٥٥ والإنصاف ١/ ٩٣.
40 / 236
قال في بدائع الصنائع (^١): [وأما الذي له دم سائل فلا خلاف في الأجزاء التي فيها دم من اللحم، والشحم، والجلد ونحوها أنها نجسة؛ لاحتباس الدم النجس فيها، وهو الدم المسفوح].
قال في الدر المختار (^٢): [ما أبين من الحي إن كان جزءا فيه دم كاليد والأذن والأنف ونحوها فهو نجس بالإجماع (^٣)، وإلا كالشعر والظفر فطاهر عندنا].
وقال في المغني: [لأنه شعر، متصله طاهر، فمنفصله طاهر، كشعر الحيوانات كلها، وكذلك نقول في أعضاء الآدمي، ولئن سلمنا نجاستها، فإنها تنجس من سائر الحيوانات بفصلها في حياته، بخلاف الشعر] (^٤).
سر الفرق في الحكم: أن الحياة في الصوف، والشعر حياة نمو، مثل حياة الأشجار والنخيل، وليست حياة روح، حيث إنها لا تتألم من قصها، وقطعها، بخلاف العظم واللحم، فإنها حياة روح، بدليل التألم عند كسرها، أو قطعها.
والدليل على أن الصوف، والشعر طاهر عند الانفصال قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ (^٥) حيث جاءت على سبيل الامتنان، والامتنان لا يكون بشيء نجس، والآية شاملة لحالة الحياة، والموت. (^٦)
كما دل الدليل على أن العظم، واللحم نجس عند القطع والانفصال قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ (^٧) دل على أن
_________
(^١) بدائع الصنائع ١/ ٦٣.
(^٢) الدر المختار وحاشية ابن عابدين ١/ ٢٠٧.
(^٣) والمراد به إجماع فقهاء المذهب.
(^٤) المغني ١/ ٦٠.
(^٥) النحل: ٨٠.
(^٦) انظر: المبدع ١/ ٧٧، كشاف القناع ١/ ٥٧.
(^٧) يس: ٧٨.
40 / 237
فيها روحا، وحياة في حال الحياة فنجست بالموت.
واستدلوا بأدلة القول الأول على الطهارة، وقيدوه بما لا روح فيه، ولا حياة، ولا إحساس.
واستدلوا بأدلة القول الثاني على النجاسة، وقيدوه بما فيه حياة، وروح.
الترجيح: الراجح هو القول الأول قول الجمهور، وهو الطهارة العامة لما انفصل من جسم الإنسان، سواء كان المنفصل فيه حياة، أم لا؛ وذلك لما يلي:
قوة الأدلة التي استدلوا بها.
موافقته للنصوص العامة في تكريم الإنسان.
موافقته للسماحة واليسر، ورفع الحرج عن المكلف.
ولما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشة (^١).
المطلب الرابع: حكم الأجزاء المنفصلة من حيث الدفن، أو الرمي.
أجزاء بدن الإنسان تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ماله حُرمة، وفيه حياة ودم، والأصل عدم إزالته كاليد، والرِجل، فهذا يجب دفنه إكراما لبدن الإنسان، قال البهوتي (^٢): [وإن وجد بعض ميت تحقيقًا غير شعر، وظفر، وسن، غُسِّل وكُفِّن، وصُليَّ عليه، ودُفِن وجوبا، ثم إن وجد الباقي صُلي عليه ودُفن بجنبه].
وسيأتي في المطلب الخامس نقولات الفقهاء على حرمة هذه الأجزاء، وكرامتها، وهل يصلى عليها أم لا؟
القسم الثاني: ما لا توجد فيه حياة، ولا دم كالشعر، والظفر، وقد نُقِل عن فقهاء المذاهب الأربعة استحباب دفن ما انفصل من الجسم وأنه هو الأفضل، مع بقاء حكم الجواز لرميه بدون دفن (^٣).
_________
(^١) ينظر: رسالة الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي ص ٥٣ وما بعدها للباحث محمد عصمت الله، وموسوعة أحكام الطهارة للباحث دبيان الدبيان ٣/ ٢٧٠، ورسالة أحكام الشعر في الفقه الإسلامي ص ١٤٦. للباحث عبدالله السماعيل، ومجلة الفقه الاسلامي المجلد الرابع ص ٩٣.
(^٢) كشاف القناع ٢/ ١٢٤.
(^٣) ينظر: البحر الرائق ٢/ ٣٧٢، وتفسير القرطبي ٢/ ١٠٢، وأسنى المطالب ١/ ٤٩٢، والمجموع ١/ ٢٨٩، والمغني ١/ ٦٦، والوقوف والترجل لمسائل الإمام أحمد بن حنبل ١/ ١٤٠، وكشاف القناع ٢/ ٩٦، وفتح الباري ١٠/ ٣٤٦، وموسوعة أحكام الطهارة ٣/ ٢٦٩، والموسوعة الفقهية الكويتية ٥/ ١٧١، ومجموع فتاوى ابن باز ٩/ ٤٣٦، ومجموع الفتاوى والرسائل لابن عثيمين ١١/ ١٣٢.
40 / 238