وانكب حمزة على الجرائد حين أصبح وحده، وكان له غرام غريب بقراءة الجرائد، كان يقرأ الصفحة حرفا حرفا ولا يدع شيئا إلا وفكر فيه وحلله، ولا يدع خبرين إلا استنتج منهما ثالثا، وكان ولعه بالأخبار جزءا صغيرا من حب استطلاعه الكبير، كان به شغف دائم إلى معرفة الحادث حتى قبل وقوعه وإلى الاستماع للخبر من أكثر من مصدر حتى يصل إلى حقيقة أمره.
غير أن انكبابه لم يطل؛ فقد وضع الجرائد جانبا وخلع منظاره وفرك عينيه ولم يرفع أصابعه عن عينيه، بل ظل واضعهما فوق مقلتيه، وقد استند رأسه إلى ظهر الفوتيل وقتا غير قليل، كان يؤنب نفسه كثيرا، كيف سولت له تلك النفس أن يحس بإحساسات أخرى غير رباط الكفاح بينه وبين فوزية؟
كيف؟!
وضايقه الجلوس، فقام وظل يدور في الشقة.
ودق الجرس.
وفتح.
ودخلت المرأة.
وعاد إلى جلسته على نفس الفوتيل في مكان فوزية المختار، وأحيانا تبدو حلول أعقد المسائل في ومضة، وكان هو قد استقر على حل.
إنه رجل يؤمن بالعلم ويؤمن بالحب ويؤمن أن الناس وجدوا ليحيوا ويحبوا ويسعدوا، فليس عيبا أن يحب فوزية إذن، ولكن هل هو يحبها فعلا؟ وهل ممكن أن يقع إنسان مثله في الحب بمجرد أن يقابل فتاة مثلها بضع مرات؟ أليس الحب عشرة وتجربة هائلة تذيب الإنسان في الإنسان؟ وأين هذا مما بينه وبين فوزية ؟
وأتاح له الصباح أن يجعل عقله أكثر سيطرة على نفسه، خاصة وأن الصباح كان باردا برودة ترد الصواب، برودة تجعل الإنسان يرى الأشياء في وضوح، بل وتفقد أشياء كثيرة ما يحيطها من بريق وتبدو على صورة أقرب ما تكون إلى الواقع الذي مسح عنه الخيال.
نامعلوم صفحہ