ودعاها للجلوس بجواره على الأرض وفعلت هذا دون تردد، وانطلقت تحدثه عن لجنته وعن نفسها حين طلب منها هذا: مدرسة في مدرسة المنيرة، قرأت كثيرا وفهمت كثيرا، ولكن لم يكن لها أي نشاط، فحين جاءت معركة القنال اندفعت من نفسها تناقش الأمر مع زميلاتها المدرسات، وتم النقاش إلى تكوين اللجنة.
وكان حمزة يهز رأسه ويحثها على المضي بإيماءاته، ولدى كل كلمة يكاد ينظر إليها من جديد ويحاول أن يقنع نفسه أن المرأة ممكن فعلا أن تقوم بعمل.
وقبل أن يصافحها مودعا قال لها وهو يقلب مفكرته: يوم الأربع زي النهاردة حكون من بعد الساعة سابعة في مصر الجديدة على طول، فممكن نتقابل هناك علشان ننسق الاتصال.
ففكرت لحظة ثم قالت: ولو أن يوم الأربع عندي ست حصص إنما حاجي. - الساعة تسعة جنب قصر البارون امبان، ممكن؟ - ممكن. - وإذا حصل ومقدرناش نتقابل، عارفة تعملي ايه؟ - إيه؟ - يبقى نفس المكان والزمان بس الأسبوع اللي بعده، فاهماني ازاي؟
وكان هو الذي شد على يدها بقوة هذه المرة حتى كاد يخلعها.
ومضت.
ووجد حمزة نفسه تمضي وراءها وتفكر فيها: في حجمها الصغير الدائب الحركة، وكأن ثمة مولد خفي يغذيها بطاقة لا تنفد من نشاط، وانفعالاتها السريعة التي تتلاحق على وجهها واستجاباتها السريعة لانفعالاته، يضحك فتكاد تضحك ملامحها، ويأسف فيقرأ الأسف بوضوح في وجهها، ودائما وهو يحدق فيها يعجب من الإحساس الذي يتملكه، الإحساس بأنه قوي قوة لا حد لها وأنه ممكن أن يصنع معجزات، ثم ملامحها الدقيقة الأنيقة التي في كل دقيقة منها وسامة وأمل، إنها حقيقة تبدو كصبية صغيرة لا ينقصها إلا المريلة لتصبح تلميذة بإحدى المدارس.
وكاد حمزة ألا يتوقف عن التفكير فيها لولا أنه نهر نفسه بشدة، وعاد يغوص في قاع الخندق ويشذب حوافه.
3
في مساء اليوم التالي كان حمزة جالسا على إحدى قهاوي «القرين» بمديرية الشرقية، قهوة في وسط القرية تطل على ميدان جاء صدفة في وسط البيوت ولم يقصد به أن يكون ميدانا.
نامعلوم صفحہ