جهود القبانی المسرحیہ فی مصر
جهود القباني المسرحية في مصر
اصناف
لا اللهو والزهو والإعجاب بالذات
وهذه الرؤية التي صاغها القباني شعرا شرحها فيما بعد نثرا، وظل يرددها أمام تلاميذه، وكأنها ميثاق فني بينه وبينهم، أو بينه وبين جمهوره. هذا الشرح نقله إلينا تلميذه كامل الخلعي، وفيه يقول القباني: «التمثيل جلاء البصائر، ومرآة الغابر، ظاهره ترجمة أحوال وسير، وباطنه مواعظ وعبر. فيه من الحكم البالغة، والآيات الدامغة، ما يطلق اللسان، ويشجع الجبان، ويصفي الأذهان، ويرغب في اكتساب الفضيلة، ويفتح للبليد باب الحيلة، ويرفع لواء الهمم، ويحركها إلى مسابقة الأمم، ويبعث على الحزم والكرم. يلطف الطباع، ويشنف الأسماع. وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسة، وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة. هذا إذا تدرج فيه من ذكر الأحوال إلى ضرب الأمثال، ومن بيان المنهاج إلى الاستنتاج؛ ليرتدع الغر عن غيه ويزدجر، ويجد العبرة في غيره فيعتبر.»
29
هذه الرؤية الفنية أو الرسالة المسرحية - شعرا أو نثرا - صاغها القباني بوصفه شاعرا أديبا عربيا منتميا إلى عصره قبل أن يكون ممثلا مسرحيا أو ملحنا موسيقيا، فمضمون هذه الرسالة كان توجها عربيا عاما منتشرا بين الشعراء والأدباء، والمعروف بحركة «إحياء التراث العربي»، التي تقلد ريادتها الشعرية محمود سامي البارودي (شاعر السيف والقلم). وهذه الحركة كانت ملتزمة بوجوب إبراز التراث العربي في جميع أشكاله المشرقة، وبضرورة مواجهة الثقافة الغربية الوافدة بالثقافة العربية الأصيلة.
من خلال هذا المفهوم لحركة إحياء التراث العربي صاغ القباني رسالته المسرحية السابقة - شعرا أو نثرا - من أجل تطبيق مفهوم الإحياء في مجال المسرح. وبمعنى آخر: أراد القباني أن يؤسس مسرحا عربيا فصيحا؛ يعرض من خلاله موضوعات تراثية مشرقة تحمل الكثير من الحكم والأمثال والنماذج الأدبية الرصينة (نثرا وشعرا)، مزينة بأغان وألحان عربية - ليواجه به العروض المسرحية الأجنبية، أو العروض العربية المعتمدة على نصوص مسرحية مترجمة أو معربة .
ومن خلال هذا التوجه يمكننا تفسير التزام القباني كتابة مسرحياته باللغة العربية الفصحى، بل وعلى عرض جميع مسرحياته بالفصحى - سواء كان كاتبها أو مكتوبة من قبل غيره - كإسهام منه في مواجهة محاربة المستعمر للغة الفصحى وفرض اللغة الإنجليزية على التعليم في مصر - في ذلك الوقت - من قبل المحتل الإنجليزي، لا سيما أن الدعوات التي هاجمت الفصحى وروجت إلى العامية ظهرت في هذه المدة، ونسبت إلى المصريين التخلف والعجز بسبب تمسكهم بالفصحى، ونادت باتخاذ العامية لغة للتأليف العلمي والأدبي.
30
أما هدف القباني المسرحي من طرحه رسالته، فيتمثل في جمهوره الذي سيتخذ من قصص التراث - الممثلة أمامه - العظة والعبرة؛ ليستعين بهما على معايشة الحاضر بصورة سليمة، واستشراف المستقبل بصورة قويمة. كما سيتعلم اكتساب الفضيلة وطلاقة اللسان العربي، ويجني ثمرة الآداب العربية، ويدفع أمته إلى الأمام ويستمتع بجمال الألحان. هكذا كان تحديد رسالة القباني المسرحية والهدف منها. لم يبق أمامنا إلا تتبع منهج القباني في التزامه برسالته وتحقيق هدفه، والتعرف على أدوات هذا المنهج، أو التعرف على أسلوبه في التزامه برسالته، وتحقيق هدفه من إحياء التراث.
بهذا الفكر الإصلاحي التنويري كتب القباني مسرحيته «أنس الجليس» مستوحيا فيها «حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس» المنشورة من الليلة الخامسة والأربعين إلى الحادية والخمسين في كتاب «ألف ليلة وليلة»؛ ليبرهن من البداية التزامه برسالته المسرحية - المنبثقة من حركة إحياء التراث - بمعالجة موضوع من التراث العربي الأدبي.
والمسرحية تدور أحداثها حول الجارية الجميلة أنس الجليس، التي اشتراها الوزير الفضل قينة - أي جارية مغنية - للوالي ابن سليمان، ولكنه لم يسلمها إليه، بل أبقاها في منزله بعض الوقت، فوقع في حبها ابنه علي نور الدين، فرضخ الأب - بدافع الأبوة - ووافق على زواجهما، متحملا غضب الوالي عليه. ثم يعلم الوالي بهذا الأمر من الوزير ابن ساوي - غريم الوزير الفضل - فينزل جام غضبه على وزيره الفضل، فيهرب الحبيبان إلى بغداد، ويقابلان الخليفة هارون الرشيد، فيعلم قصتهما فيرسل إلى الوالي رسالة يأمره بإقامة العدل، وبعد عدة أحداث يجتمع شمل الزوجين ويعود الحق إلى أصحابه، ويعاقب ابن ساوي على أفعاله، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة.
نامعلوم صفحہ