و«رسل» الملوك والزعماء القدامى والمبعوثون الخاصون للرؤساء الحاليين هم في الأساس ناقلو الخبر الشفوي. وكذلك كان إعلان الأخبار في الماضي في المدن والريف يتم بواسطة مندوب السلطة الذي يذيع البلاغ في الأسواق، حيث يتجمع الناس، مع ختام الخبر بالقول: والحاضر يبلغ الغائب. كما أن وظيفة رواة الأخبار في صورة القصائد والأشعار المحلية - مصحوبا بآلة موسيقية غالبا - كانت وظيفة هامة في المجتمعات القديمة والمجتمعات المنعزلة.
وفيما يختص بنقل الخبر من مكان بعيد إلى آخر - دون الالتجاء إلى الترحال والمواجهة الشخصية - ابتكرت كثير من القبائل البدائية في أفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية (قبل دخول الأوروبيين) وسائل هوائية لنقل الأخبار، تعرف في أفريقيا باسم تام تام
Tam Tam ، وهي عبارة عن دق الطبول بضربات معينة تتسمع إليها التجمعات المتباعدة، فتنقلها بدورها بدق الطبول أيضا، وبذلك ينتشر الخبر بسرعة مذهلة وسط الأحراش أو الغابات أو السهول أو الجبال. وفي حالات أخرى كان يمكن نقل الخبر ضوئيا - بدون الحاجة إلى إذاعته، وخاصة في حالات الحرب بين القبائل - حتى لا يعرف الأعداء بتحركات قواتهم، وفي هذا كانت تستخدم عواكس للضوء لنقل الإشارات المتفق عليها، أو استخدام الدخان بصورة متقطعة؛ في شكل رموز متفق عليها، لإعطاء الأخبار المرغوبة.
وفي العصر الحديث تطورت هذه الوسائل الشفاهية لنقل الأخبار تطورا هائلا بحيث تقطع المسافات الشاسعة في لحظة النطق بها، فإن جهاز الهاتف (التليفون) والهاتف المرئي قد حل محل نقل الخبر الشفوي كوسيلة من وسائل المواجهة الشخصية، وأصبح بالإمكان التحدث الشفوي بين شخصين تفصلهما آلاف الكيلومترات دون الحاجة إلى الانتقال الشخصي.
وكذلك نجد استخدام الموجات اللاسلكية (الراديو) قد أدى إلى إمكان نقل الخبر فور النطق به إلى أي مكان في العالم، بل إن التطورات الحديثة قد تمكنت من نقل الصوت البشري عبر الفضاء بواسطة الأقمار الصناعية، والحقيقة أن الراديو قد حل محل ناقل الأخبار المغني الجوال (من أمثال التروبادور في أوروبا في العصور الوسطى، أو الشعراء والقوالين والمداحين من الغجر وغيرهم في الشرق الأوسط)، ويضاف إلى قائمة مبتكرات نقل الخبر الشفوي التليفزيون، واستخدام الأقمار الصناعية في إمكانية توزيع الخبر المصور على أجهزة تليفزيونية في مساحة واسعة في وقت واحد للتغلب على قصر مدى الإرسال العادي في هذه الأجهزة. (4-3) وسائل مختلطة لنقل الخبر
وإلى جانب الوسائل السابقة الذكر، هناك أيضا وسائل أخرى لنقل الخبر يشترك فيها الخبر الشفوي والمكتوب، ومن أوائل هذا النوع المختلط أن ينقل «رسول» الخبر شفاهة مدعما برسالة مكتوبة، وفي العصر الحديث نجد أن البرقيات يشترك فيها النوعان معا، فمحتوى البرقية يكتب عند إرساله أو توزيعه، وينقل بطريق سلكي (مورس أو هاتف أو تلكس) أو لاسلكي (راديو)؛ أي يرسل بواسطة الرموز أو شفاهة أو الكتابة على البعد.
وكذلك الصحف والمجلات تنقل أخبارها شفاهة (المراسلون في صورة مقابلات شخصية أو التبليغ بمقابلاتهم تليفونيا أو برقيا، أو تلقي الأخبار من شركات الأخبار بواسطة البرقيات المرسلة بجهاز «التيكر» أو التليبرنتر)، ثم تصاغ هذه المحتويات الخبرية كتابة وتطبع وتوزع في صورة رسائل مكتوبة.
ولسنا نعرف ماذا يمكن أن يتم من تطورات في مجال نقل الأخبار، لكن الذي يهمنا هو أن العالم كله منذ القدم حتى اليوم تتزايد فيه أهمية الخبر بصورة كبيرة؛ مما يؤدي إلى اهتمامات متزايدة بهذه الوسيلة من وسائل النقل، خاصة مع الترابط والتشابك العالمي الراهن في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية.
الفصل الثاني
عناصر النقل
نامعلوم صفحہ