؛ مما يدل على أصلها التاريخي. وتقوم هذه الأتوبيسات بتأمين نقل الرسائل إلى جانب نقل الأشخاص إلى هذه الأماكن البعيدة، وفي لبنان أيضا نجد هذا الشكل من وسائل النقل المشترك للبريد والأشخاص نظرا لنقص المواصلات الحديدية.
ومع تطور وسائل النقل العامة من عربة الخيل إلى القطار أصبح القطار هو الوسيلة الرئيسية لنقل البريد داخل البلاد، ومع ميكنة وسائل النقل البري أصبحت هناك سيارات خاصة أو عجلات بخارية خاصة بمصلحة البريد لنقل الخطابات داخل المدن . وفي الدول ذات المساحات الكبيرة أصبح نقل الخطابات يتم بالجو نظير أجور أعلى قليلا، كذلك شاركت السفن في نقل الرسائل منذ القديم، لكن عصر الطيران الذي نعيشه قد قضى على نقل الخطابات على المسطحات المائية إلا في حالات محدودة مثل مناطق الجزر الصغيرة المبعثرة في أرخبيل، كأرخبيل الجزر اليونانية أو الأرخبيلات المتعددة في المحيط الباسيفيكي. لكننا نلاحظ وجود مراكز جوية رئيسية في مثل هذه الأرخبيلات تجمع فيها - أو تتوزع منها - الرسائل بحرا إلى الجزر الأخرى. كذلك ما زال النقل المائي مهما في نقل الرسائل في المناطق التي لا توجد فيها من وسائل النقل سوى المجاري النهرية كالنيل في النوبة أو السودان الجنوبي أو نهر الكنغو فيما بين كنشاسا وكيزانجابي في جمهورية زائيري، أو الأمازون في البرازيل، وفي هذه الحالة أيضا يطلق على البواخر النهرية اسم «البوستة».
ولم تعد الرسائل البريدية قاصرة على الخطابات، بل أخذ الناس منذ فترة في استخدام البريد لنقل الطرود التي تحتوي على سلعة ما في صورة هدية أو سلعة محدودة لغرض الاستخدام الشخصي للفرد المرسل إليه، سواء من أحد معارفه أو من محل تجاري. ونظرا لثقل الطرد بالنسبة للخطاب، فإن الطرود غالبا ما تنقل حتى اليوم نقلا سطحيا - أي بالقطار والبحر - وهناك أيضا طرود جوية، لكنها أكثر تكلفة في النقل إلا إذا كانت المسافة طويلة، أو أن المحتوى من المواد الهالكة. كما أن المسافات الطويلة تكاد تتساوى فيها تكلفة النقل الجوي والسطحي.
ونظرا لتشابك العالم وكثرة الترحال والسفر والتعارف، نتيجة لسهولة الانتقال في عصرنا الراهن، فإن كمية الرسائل والطرود التي تنقلها وسائل النقل العامة قد تضخمت بسرعة هائلة للدرجة التي أنشئت من أجلها وزارات أو هيئات شبه حكومية للبريد. وما زالت في بعض الدول الرأسمالية - وعلى رأسها الولايات المتحدة - عدة شركات كبرى للبريد. وفي المجموع - سواء كانت الهيئة البريدية حكومية أو شبه حكومية أو أهلية، فإن هناك عمالة كبيرة ومتزايدة في قطاع البريد لم يكن يحلم بها «الرسل» القدامى على صهوات جيادهم، وكميات هائلة متزايدة من الخطابات والطرود تبلغ آلاف المرات ما كانت تحمله «طرق الرسل» القديمة من رسائل وهدايا.
وبالرغم من كل ما حدث من تطوير في وسائل النقل، فإن عالمنا المعاصر ما زال يحتفظ ببقية واحدة من بقايا «الرسل» القدامى؛ تلك هي الرسائل الدبلوماسية التي لا تزال ترسل وتجمع بواسطة مبعوث خاص معتمد من وزارة الخارجية لدولة معينة؛ ليمر على عدد من مكاتب التمثيل السياسي والتجاري التابعين لدولته في عدة دول. ولا يزال مثل هذا الشخص يسمى بالاسم القديم
Courier
مع إضافة صفة الدبلوماسية إليه. كما أن السفير أو المبعوث السياسي أو التجاري أو الثقافي في البعثات الدبلوماسية الدولية ما هو في جوهره إلا «رسول» مقيم بالخارج، يقوم بتبليغ «رسائل» دولته إلى سلطات الدولة التي يقيم فيها؛ فالتمثيل الدبلوماسي - بصفة عامة - لم يخرج عن فكرة مبعوث دولة إلى دولة أخرى، كما كان ذلك منذ مئات السنين بين القبائل والدول القديمة.
ومع خطورة المواقف العالمية الراهنة أصبح هناك «رسول» أو «مبعوث» خاص من قبل حكومة ما، أو رئيس دولة ما، ينتدب للقيام بتبليغ رسالة على مستوى عال إلى رئيس دولة أخرى، وبذلك نعود مرة أخرى إلى مبدأ إرسال الخبر بواسطة الرسول المؤقت الذي يجري بين عاصمة بلاده وعاصمة أو عواصم أخرى. (4-2) الخبر الشفوي
قلنا إن نقل الأخبار بدأ منذ بداية البشرية شفاهة، والكلمة هنا لا تدل تماما على ما نقصده، فإنه يجب أن يفهم منها أنها تعني كل وسائل نقل الخبر بغير واسطة الكتابة؛ وبهذا فهي تتضمن نقل الخبر بالكلمات المنطوقة أو الرموز.
وأول وأسرع وسائل نقل الأخبار هي بدون شك - داخل الدائرة المحلية - التفاهم بالكلام المنطوق؛ أي الحديث. وهذه الوسيلة هي أحسن وسائل نقل الخبر؛ لأنها تتضمن مواجهة شخصية بين حامل الخبر ومتسلمه. وبما أن أحد أهم صفات الإنسان هي الكلام، فإن نقل الخبر من شخص إلى آخر يؤدي إلى سرعة إذاعته على بقية الناس، إلا إذا كان مقصودا أن يظل الخبر في طي الكتمان.
نامعلوم صفحہ