سیاسی جغرافیہ
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
اصناف
هناك نوع آخر من الدول المنظمة وسط مناطق كثيرة من التنظيم السياسي البدائي، وهي في مجموعها تشابه دول العالم القديم، ومهد هذه الدول كان الهضاب العالية في النطاق المداري الأمريكي، حيث ساعد تعدل المناخ والنمو النباتي المتوسط على الاستقرار الزراعي، كنشأة دولة الأزتك في المكسيك الوسطى والأنكا في الأندييرو، والسمة الأساسية هي بناء عسكري ديني مما يجعلهم مكونين لنظام سياسي اجتماعي شديد الجمود والصرامة، ومن المحتمل أنهم أول من أنشئوا دولا ديكتاتورية يضحى فيها بالفرد من أجل المجتمع، فالفرد كان عنصرا صغيرا في العجلة، وحياته يقررها المجتمع وما يقدمه له من وظائف، هذا النوع الكامل من الدولة الشيوعية بما يضمه في دائرته من سلالات ولغات مختلفة استمر فترة طويلة برغم أنه بني على أسس جغرافية واقتصادية ضيقة.
كانت هذه الدول تدعمها جيوش قوية وسلسلة من الحصون لتأمين الخلايا ، الوحدات المتعددة المتباعدة التي تكون الإمبراطورية، وكانت هذه الوحدات مرتبطة بالدولة بواسطة تركيب اجتماعي يشابه تجمع النمل، يضاف إلى ذلك شبكة طرق واسعة مثل الطرق الرومانية هي التي ترمز إلى إمبراطورية الأنكا، ويضاف أيضا استخدام لغة
Quechua
كلغة موحدة، لكن هذا التركيب الوحدوي الضخم قد أعطاهم مظهرا خادعا للتوحيد والترابط والقوة، فلم تنبع منها وحدة حضارية ولا تقليد قومي أو قوى روحية، لقد هلكت هذه الممالك؛ لأنها لم تتخذ مبدأ تطوريا كان يمكن أن يحقن الدولة بقوى جديدة وتغيرات تركيبية جديدة، ولهذا انهارت عند الضغوط الخارجية انهيارا تاما. (5) إمبراطوريات العصور الوسطى في العالم القديم
بعد سقوط الإمبراطوريات القديمة نشأ نوع جديد من الدول انبثق أساسا من تحرك الناس في صورة موجات من الهجرات الواسعة، ويختلف تاريخ هذه الدول في أوروبا عنه في آسيا.
في أوروبا ظهرت ممالك عديدة هامشية التنظيم سريعة الانهيار مثل القوط الغربيين الذين تحركوا من جنوب فرنسا - تولوز - إلى إسبانيا، والقوط الشرقيين الذين دخلوا إيطاليا قادمين من الدانوب، هذه الدول لم تكن قادرة على التطور أو على أن تؤمن أساسا ثابتا لنموها وبنائها، ومثل ذلك ينطبق على ممالك بورجاندي والأنجلو ساكسون، وكل منها كان يريد أن يمد جذوره إلى الدولة الرومانية وما خلفته من أسس للإدارة والحكم في الميدانين الديني والعلماني، وقد كونت في هذه الممالك عدة خلايا ووحدات طفيلية غير قادرة على استيعاب مواردها الاقتصادية أو الإبقاء على هذه الموارد، ولا على سكانها الأصليين، وذلك لعدم وجود جيش كاف.
ولقد اختفت بسرعة كل القوى والدول الجرمانية في حوض المتوسط بعد غزواتها السريعة للمنطقة؛ لأنها كانت عبارة عن إضافات اصطناعية لمنطقة حضارية لم تكن مستعدة لتقبلهم وهضمهم، وهكذا أيضا كان حال دول الصليبيين في الشرق.
أما في آسيا فقد نشأت دول أكثر استقرارا وأهمها دولتان ذواتا دوام طويل، كما لو أن تقليد الدول الكبيرة قد بقي بين سكان آسيا من خلال البقاء الطويل للدولة الرومانية الشرقية-البيزنطية، ووراء حدود بيزنطة نجح المسلمون في بناء الدولة على المفاهيم الشرقية التي نشرت التعاليم الإسلامية من الملايو وإندونيسيا إلى أواسط أفريقيا، ومن المحيط الهندي إلى أواسط آسيا، هذا البناء السياسي الجديد الذي ما زالت أسسه تعيش معنا قد ارتبط أوثق ارتباط بالخلفيات الدينية، وقد خرج العرب من الجزيرة في اتجاهين عارمين مسلحين بالدعوة الدينية الاجتماعية الجديدة: في اتجاه بلاد فارس ووسط آسيا والهند، وفي اتجاه مصر وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا وفرنسا، وبذلك تمت السيادة على نظم التجارة الدولية وطرقها البرية والبحرية، وصحيح أن العرب البدو كانوا طليعة هذا التوسع إلا أن استقرار الدولة الإسلامية لم يتم إلا بناء على إعادة الحياة الاقتصادية الزراعية ومشاريع الري والعمران المدني، وفتح طرق التجارة وبناء الأساطيل.
وبرغم أن دولة الخلافة - وخاصة العباسية - قد اقتبست الكثير من نمط الدولة الشرقية في فارس ومقدونيا، إلا أنها أضافت عنصرا سياسيا جديدا، فقوتها كان مصدرها موقعها الطبيعي بين سهول ووديان البحر المتوسط والصحراء؛ مما أدى إلى توقف غارات البدو التي كانت تقلق الممالك القديمة، ذلك لأن البدو وجدوا أنفسهم جزءا من هذه الدولة، أو هم الذين أسهموا في إنشائها بالنصيب الأوفر، وظلوا حماة هذه الدولة مع ضم التركمان البدو أيضا، وبذلك فإن الدولة العربية عامة هي أول وأقدم تجميع لمجموعتين بشريتين متعاونتين بحكم أسس حياة كل منهما: الرعاة والزراع.
لكن هذا التكامل لم يكن قويا لمدة طويلة، وبذلك عادت المناطق النائية إلى الثورات والانفصال، وظهرت دول صغيرة في أوقات مختلفة.
نامعلوم صفحہ