كم من الساعة بقيت؟ لا أدري. كم من الأيام بقيت؟ لا أدري، لقد فقد الزمن معناه، وسقطت الحياة جميعا بعد أن كانت أمام ناظري بناء شامخا يشدني إلى ذراه. وأحسست كأني شجرة صوحت وانخلعت جذورها من أعماق الأرض لتصبح جذورا من العدم، فهي كلا شيء، كهباءة لا معنى لها ولا كيان، ولكنها مع ذلك موجودة، شائبة هي في وجودها، عقيمة هزيلة ككلمة لا تقال من فم أبكم تصدر، وإلى أذن صماء تذهب. وهذه ال «لماذا؟!» ما زالت ترج كياني كله، تزلزله في ضربات طاغية منتظمة الوقع رتيبة الميقات، ولا أطيق منها فكاكا ولا عنها منصرفا.
حين خرجت من الحجرة كانت الحياة قد تكونت أمام ناظري بشكل جديد. وكنت قد دبرت في خلوتي كل شيء.
أخبرت أبي وأمي أنني تارك زوجتي لأننا غير متفقين. لم أحب أحدا غيري يعرف أن أم هديل وشهاب عاهرة، بل أحقر من عاهرة؛ فقد تجد العاهرة سببا لعهرها، وقد تجد الخائنة سببا للخيانة من كره لزوجها ومن فارق سن بينهما أو من سوء خلق له، ولكن أم شهاب وهديل عاهرة لغير ما سبب من هذه الأسباب التي قد تقيم عذرا لها أمام نفسها أو أمام بعض الناس. إنها عاهرة بسبب لا أعرفه حتى الآن، ولكنني مصمم أن أعرفه. وعلى كل حال فلا ذنب لشهاب وهديل أن تطالعهما الحياة بهذه السمعة.
خرجت من بيتنا وركبت سيارتي. نعم، السيارة التي أهدتها إلي، إنني الآن أكثر استحقاقا لها؛ لقد دفعت فيها كرامتي بجانب الكثير من شبابي، وذهبت إلى المأذون وأتممت إجراءات الطلاق، وأرسلت الورقة بالبريد المسجل المستعجل.
ثم توجهت من مكتب البريد إلى ... - أهلا، ألم أقل لك إنك ستأتي؟ - وقد أتيت. - طلباتك. - ستدهشك طلباتي يا ست حميدة. - لن تستطيع أن تدهشني أبدا. - سنرى. - قل. - أريد أن أتعرف بسيدات شابات. - لا غرابة في ذاك. - متزوجات. - غريبة بعض الشيء، ولكن لا بأس. - وأريد ...
وصمت قليلا ورأيت الست حميدة وقد تحولت إلى أذن كبيرة: قل. - أريدهن على حب مع أزواجهن.
وفجأة صعد إلى وجه الست حميدة نوع من الحب تخالطه آثار من الشفقة جاهدت أن تخفيها، ومن خلال هذا الجهد وثبت إلى عينيها دمعات، فلوت رأسها مسرعة، ثم عادت بها منكسة وهي تقول: طلباتك موجودة يا ابني.
9
حين التقيت ببهيرة في الغرفة التي خصصتها لنا الست حميدة، راحت في عجلة تخلع ملابسها، فعاجلتها: فيم العجلة؟ - لا بد أن أرجع إلى بيتي بعد ساعة على الأكثر. - سأجعلك تذهبين في الموعد. - كيف؟ - معي سيارة. - وأنا معي سيارة. - أريد أن أتحدث إليك. - ألهذا جئنا إلى هنا؟ - أحببت أن أتعرف بك. - لماذا؟
لم أدر ماذا أقول ولم تسكت هي: نهاية التعارف بين امرأة ورجل أن يصلا إلى هذا، وما دمت قد وصلت، فماذا تريد من التعارف؟ - ربما كنت أريد أن أتحدث إليك. - وهل هنا مكان صالح للحديث؟ - فعلا لك حق. اخلعي ملابسك.
نامعلوم صفحہ