وفوجئت بنيمت تنفجر في ضحكة عالية مرة، ومرة أخرى أحسست بكل ثنية من ثنايا جسمها تضحك معها، تضحك، تسخر، تنادي، تأتمر، تطلب، تأمر، بعنفوان المرأة تأمر.
وجدتني أريد أن أتمرد، ووجدتني أعرف لماذا أريد أن أتمرد، لقد خنت نفسي في كل ما أعمل، ولا أريد أن أخون زوجتي، ولا بد أن أتمرد، ارتسم على وجهي جمود التمرد، وراحت الضحكة تتحول إلى نوع من التشنج، وراحت القهقهة التي كانت مندفعة هادرة إلى الدنيا كلها تنزلق إلى داخل جسدها المهتز حتى انتهت الضحكة جميعا، وتجمدت نيمت كتمثال لم يرفع المثال عنه قماشه المبتل، وثبتت في وجهي نظرة فيها كره وفيها ضغينة وفيها تكبر بلا كبر، واتجهت إلى الباب، حتى إذا بلغته قالت دون أن تلتفت: أورفوار.
وواراها الباب عن ناظري، وارتميت على الكرسي منتصرا لأول مرة على نفسي.
7
كنت أظن أن السعار في النادي مقصور على الآدميين. وقد مرنت على سعارهم، فكنت أدخل إلى النادي وكأنني داخل إلى بيتي، فأنا آمن هادئ مطمئن.
حتى كان يوم طلبت إلي تحية أن أمر بها في البيت لأصحبها إلى النادي لأن سيارتها كانت معطلة؛ فقد تعودنا أنا وهي أن نلتقي في النادي عند الظهيرة، ومن هناك نتفق إن كنا سنتناول غداءنا في النادي أم في البيت حسب الترتيب الذي تكون تحية قد أعدته. وقد كان الأمران بالنسبة إلي متساويين؛ فسواء عندي تغديت في النادي أم في البيت. فلم تعد تكاليف الغداء في النادي من الأمور التي أبحث فيها الآن بعد أن أثريت هذا الإثراء.
أنهيت عملي في الجريدة، واتجهت إلى الشركة فألقيت نظرة عاجلة، ثم ذهبت إلى البيت. ووجدت تحية قد أعدت الترتيب أن تتغدى في النادي: ما دام الأمر كذلك، فدعيني أقعد قليلا مع العيال حتى تلبسي. - أنا لابسة. - دعيني أقعد معهم قليلا والسلام. - اقعد. فقط لا تطل القعود. الشلة تنتظرنا هناك. - الشلة! من منهم؟ - كلهم تقريبا. - لن أتأخر.
توقيت عجيب أصنعه أنا والقدر في تآلف موسيقي. لماذا بقيت مع الأطفال هذه المدة التي بقيتها؟ ولماذا تغدينا في النادي؟ ولماذا تعطلت سيارة تحية؟ ولماذا تركت الأطفال في الوقت الذي تركتهم فيه بالذات دون تقديم أو تأخير؟ أهو قدر؟ ولكنني أنا وتحية والصانع الذي صنع سيارتنا، جميعنا اشتركنا في هذا التوقيت، فهو نحن جميعا. تآلف موسيقي كأننا أفراد أوركسترا ضخم والقدر هو المايسترو يحرك خطواتنا في توافق ليصل بنا إلى أحداث مرصودة لنا؛ فنحن نشارك في العزف، ولكن لو لم يشترك معنا الآخرون لاختلف النغم ولو لم يمسك المايسترو عصاه لاختل التوازن ولم تحدث الأحداث. لا يهم أن تكون الأحداث سعيدة أو محزنة، إنما لا بد لها أن تحدث على أية حال.
فإن القدر لا يعني كثيرا أن نكون سعداء أو تعساء، كل ما عليه أن يقود الأوركسترا ويتم التناغم ويستمر العزف.
بلغت النادي، ووجدت مكانا أوقف به السيارة وإن كان بعيدا بعض الشيء عن قاعة الطعام التي نقصدها. ونزلنا أنا وتحية، وأخذنا سمتنا إلى أبنية النادي، وفجأة أقبل كلب ينهب الأرض لاهثا يتدلى لسانه من فمه قاصدا تحية وكأنما هو يعرفها أو كأنما هو مرسل إليها، ودون أن أشعر بما أفعله وجدتني أخطف تحية إلى الخلف وأتصدى أنا للكلب أستقبل هجومه. دفعني بكلتا يديه في صدري فكدت ألقى إلى الأرض، ولكنني تماسكت بعد أن تخلجت أقدامي وعاد إلي الكلب، لا يدفعني هذه المرة، وإنما ليعضني في ساقي عضة مغيظة، وأجد نفسي أركله محاولا الهرب. ولكنني أصيح أن يمسكوا به، فينبت من بين الحراس خبير بشأن الكلاب ويمسك به ويحبسه.
نامعلوم صفحہ