فلسفی جڑیں بنیاد پرستی کے لئے
الجذور الفلسفية للبنائية
اصناف
12 (أو المحمولين على الكراسي)، الذين لا يكترثون بالإقامة طويلا بين الشعوب البدائية التي يدرسونها، بل يقيم في مكان بالقدر الذي يسمح له بجمع المادة اللازمة لاستدلالاته العقلية والرياضية، التي هي في الواقع مهمته الأساسية. أما المعايشة وتعلم اللغات الأصلية للسكان والإقامة بينهم كأنه واحد منهم، فكلها أمور تدخل في باب «التفاصيل» التجريبية التي كان يترفع عنها. وكانت نتيجة ذلك أنه قام بمغامرة غير مضمونة العواقب؛ فهو لم يستطع أن يلقي ضوءا على عقل الإنسان المعاصر من خلال الإنسان البدائي؛ لأن الهوة التي تفصل بينهما سحيقة؛ ولأن المسافة التاريخية والحضارية هائلة إلى حد لا يكاد معه القول بوجود «قوالب ثابتة» يفيدنا في إلقاء أي ضوء على السلوك المعقد للإنسان المعاصر. كما أنه (وهو الأهم) ربما كان قد شوه صورة الإنسان البدائي حين قصر همه على كشف «سماته الأساسية»؛ إذ إنه لم يحاول أن يفهمه فهما متكاملا، يعايش فيه كل جوانب حياته، بل كان ما يهمه منه هو أن يجد فيه صورة بدائية أو «طبعة أولى» لتلك السمات التي يعدها أساسية في الذهن البشري بوجه عام. ومن شأن هدف كهذا أن يجعل البحث في الإنسان البدائي مجرد وسيلة لإثبات هدف فلسفي مسبق أصر عليه الباحث منذ البداية.
وهكذا كان الجانب الفلسفي الذي لا ينكر في أبحاث ستروس، سببا للحملة التي شنها عليه علماء متفرعون للأنثروبولوجيا، ينظرون إلى بحوثهم المتعلقة بالحضارات القديمة على أنها غاية في ذاتها، تستهدف بقدر الإمكان فهم هذه الحضارات من داخلها دون إقحام لأي هدف خارجي. ولكن الفلاسفة، من جانبهم، لم يقتنعوا بالأسس الفلسفية التي ارتكز عليها تفكير ستروس، ولا بالأهداف التي سعى هذا التفكير إلى تحقيقها. وكان الخلاف المشهور بين ليفي ستروس وجان بول سارتر علامة مميزة للتباين في وجهات النظر بينه وبين الفلاسفة بوجه عام.
إن البنائية في نظر سارتر مذهب «تعالمي
Scientiste » يقوم على الأخذ بنموذج علمي معين (قد يكون لغويا، أو رياضيا ... إلخ) ثم تطبيقه على جميع الميادين، وفرضه فرضا حتى على التركيب الأساسي للذهن البشري. والفيلسوف أو العالم البنائي لا يرى أمامه، في كل شيء، سوى هذا النموذج الواحد المستمد من أصل علمي، والذي يبهره إلى حد أنه يتجاهل كل شيء ما عداه. ومن هنا كانت البنائية فلسفة تصلح لمجتمع تسوده وتحكمه التكنوقراطية؛ لأن التكنوقراطي بدوره إنسان متخصص في ميدان فني أو علمي معين، ويعجز عن إدراك أي شيء إلا من خلال ما تخصص فيه، بحيث تكون نظرته إلى الأمور دائما جزئية، محدودة، بالرغم مما تدعيه من دقة وانضباط. هذا التكنوقراطي هو النموذج المطلوب للإنسان في المجتمع البورجوازي؛ لأنه عظيم الكفاءة والإنتاجية في ميدانه، ولكنه عاجز عن رؤية الصورة الكلية والأهداف العامة، ولا يخطر بباله أصلا أن يسعى إلى تغيير المجتمع ما دام هذا التغيير يفترض الرؤية الشاملة؛ ولذلك فإن البنائية، التي هي فلسفة مجتمع تكنوقراطي، تخضع دون أن تشعر للأيديولوجية البورجوازية السائدة في مجتمع لا يطلب فيه من الإنسان إلا الدقة والانضباط، مع ترك التركيب الأساسي للمجتمع على ما هو عليه دون أدنى محاولة للتغيير.
على أن ستروس لم يحاول التبرؤ من صفة «التعالمية»، ولم يجد فيها ما يدعو إلى الخجل. فهو يعترف بأنه يريد أن يبحث الإنسان بطريقة موضوعية، ومن ثم فلا بد أن يخضعه لنموذج علمي صارم. ومثل هذا البحث لا ينبغي أن يعد داخلا في إطار أيديولوجية معينة؛ لأنه في حقيقته خارج عن الأيديولوجية. ولا يمكن بالمثل أن يتهم بأنه تفكير مجتمع تكنوقراطي؛ إذ إنه لا يضع نفسه داخل هذا المجتمع ولا يتحدث من وجهة نظر مندمجة فيه. فمن طبيعة البنائية أنها ترفض الطابع الظاهري للعالم والإنسان؛ لكي تكتشف بناءاتهما الخفية. مثل هذا الرفض يجعلها بمنأى عن كل التسميات أو الاتهامات المستمدة من وجهة نظر مندمجة في العالم ومعترفة بمظهره.
ولكن، هل هذا رد مقنع؟ قد يكون مقنعا للبنائي ذاته، ولكن ناقده يستطيع أن يرد بأن الخروج عن الأيديولوجية هو ذاته نوع من الأيديولوجية. وإن رفض الطابع الظاهري للعالم والوقوف بمعزل عن محاولات تغييره، هو بالضبط ما تريده البورجوازية من الإنسان التكنوقراطي ؛ لكي يخلو لها الجو، ويزداد تسلطها إحكاما. وإن نزعة ستروس اللاسياسية (
a-politisme )
13
التي حرص فيها على أن يظل بعيدا عن الميدان العملي، تسدي إلى الأيديولوجية المحافظة خدمة جليلة. وعلى أية حال، فإن المسألة ستظل دائما موضوعا للخلاف بين وجهتي نظر أساسيتين؛ إحداهما تبحث عن الدلالة الأيديولوجية لكل سلوك نظري أو عملي، حتى ولو كان يعلن ابتعاده عن الأيديولوجية، والأخرى تؤكد أن الأيديولوجية معناها فرض تفسير على الحوادث من خارجها وإخضاعها لغايات ليست كامنة فيها، بينما المطلوب من العلم أن يقدم تفسيرا داخليا للحوادث وفقا لما يكمن في باطنها من عناصر فحسب.
وهكذا يبرر ستروس منهجه في التفكير على أساس أنه هو الذي يتيح كشف الطبيعة الباطنة للظواهر، دون إقحام لعناصر خارجية. ولكن الأمر الملفت للنظر حقا هو أن كلا من الجانبين البنائي والوجودي، يؤكد أن طريقته الخاصة في التفكير هي التي تتيح بحث الظواهر من الباطن والتغلغل في أعماقها، ويتهم الجانب الآخر بأنه يتبع منهجا خارجيا أو سطحيا في التفكير، لا يسمح بالاندماج في اللب العميق للظواهر. فكما رأينا سارتر يتهم ستروس بالنزعة التعالمية التي تفرض على الظواهر نموذجا علميا خارجا عنها، وتعجز بذلك عن فهم حقيقتها الباطنة أو العمل على تغييرها؛ فإن ستروس يوجه اتهاما مماثلا، ولكن من زاوية أخرى، إلى سارتر وإلى الوجودية بوجه عام. وقد خصص ستروس فصلا كاملا من كتاب «التفكير غير المتحضر
نامعلوم صفحہ