نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
اصناف
ابتسم السيد كيفورك وقال: في الحقيقة نحن لا نتطرق لمثل هذه المواضيع الحساسة أثناء إعطاء الدروس النظرية للمتدربين.
ثم سكت ونظر إلى بلاطة القاعة والابتسامة تعتلي جبهته وأكمل: لكن بما أنك سألت عن ذلك يا بانوس، سأجيب على سؤالك وسبب إجابتي لأن الذي قلته ينم عن مدى حرصك واهتمامك على سلامة أبناء شعبنا، وهذا أمر جيد، لكن اسمح لي أن أقول لك إن نظرتك هذه، نظرة عاطفية بحتة، أما نظرة الحزب للأمر فهي نظرة بعيدة المدى وفيها بعض الفوائد العظيمة مستقبلا للشعب الأرمني، ولربما حتى الخلاص من الحكم العثماني والوصول إلى الاستقلال .. وحتى أقرب لكم الصورة سآتي بمثال بسيط وقريب منا نحن الأرمن، هل سمعتم كيف حصلت بلغاريا على حكم ذاتي؟
ردوا بصوت واحد: لا. - حسنا، دعوني أخبركم بذلك، سعى الثوار البلغاريون للتخلص من الحكم العثماني بكل السبل، ولم يقدروا على ذلك، كانت روسيا والدول الأوروبية تريد مساعدتهم ولكنهم لم يستطيعوا فعل أي شيء لأجلهم؛ لأن ذلك كان يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية العثمانية، ولا توجد أية ذريعة للقيام بذلك، فعمد الثوار إلى تحريك روح الانتقام لدى العثمانيين وقتلوا ألفا منهم بكل وحشية وعمدوا على ذلك، حتى إنهم قطعوا بعضهم إربا إربا ومثلوا بجثثهم، مما جعل الحكومة مدعومة بالأهالي تقوم بأعمال انتقامية كردات فعل لما حصل للمسلمين فقتلوا أكثر من عشرة آلاف مسيحي بلغاري، مما أدى إلى ضجة كبيرة في الأوساط الأوروبية، فتدخلت روسيا عسكريا وتدخلت الدول الأوروبية معها للحفاظ على مسيحيي بلغاريا من الأعمال الانتقامية ومن المجازر، وحصلت ضغوطات دولية على الباب العالي، وبذلك تمكنت بلغاريا من الحصول على الحكم الذاتي. - لكن هذا يعني أننا نجعل من بعض أفراد شعبنا طعما لهم لكي نحصل على التدخلات الخارجية المساندة! ثم ألا توجد طريقة أخرى غير ذلك! أوليست هذه جريمة بحقهم؟! - الحقيقة نحن لا بد أن نعترف أننا لا نمتلك القوة الكافية لمجابهة دولة عظمى وجيش مدرب وذي إمكانيات عالية من التسليح، نحن شعب في بداية ثورتنا ولا يمكننا الوصول إلى الغاية إن لم ندفع ثمنا لذلك، شعبنا يقتل ويذبح يوميا من خلال غارات العصابات التي لا تهدأ وأطماع الولاة والإقطاعيين في أراضي الفلاحين المساكين واستخدامهم قوة الحكومة لصالحهم، فلماذا لا يقتلون من أجل قضيتنا حتى يعيش أبناؤهم وأحفادهم حياة أفضل! أنتم لا تعلمون ماذا تكتب الصحف البريطانية وبعض الصحف الأوروبية عن مظالم الشعب الأرمني تحت الحكم العثماني، وهذا لم يحصل إلا بعدما دخلت الإرساليات الأوروبية وقناصلهم وبدءوا يرسلون برقيات إلى حكوماتهم عن الذي يقاسيه الأرمن المستضعفون؛ فالأعمال التي تقوم بها العصابات لا تؤثر كثيرا على الرأي العام؛ لأن في كل الدول هنالك عصابات تقتل وتخرب أما الأعمال الانتقامية التي تقوم بها الحكومة وبهذا الشكل من الوحشية فتحشد لنا دعما كبيرا ويمكنهم التدخل كثيرا في شئون الحكومة العثمانية والضغط على الباب العالي، وإلا فلن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا لأجلنا .. نعم غايتنا الدفاع عن حياة كل أرمني موجود في العالم، لكن لا بد من هذه التضحيات للوصول إلى الغاية.
ساد الصمت في القاعة، نظر أرتين إلى بانوس وبدا أنه يفكر في الأمر، كانت فكرة جعل بعض الأرمن طعما للحكومة بغية الحصول على الدعم الأوروبي، غير قابلة للهضم العقلي والعاطفي لدى بانوس، يبدو أنه لم يصدق أن الحزب يخطو مثل هذه الخطوة ويفرط بدماء الأرمن! كانت تلك المشاعر ظاهرة على تقاسيم وجهه.
وحتى يدرك السيد كيفورك الموقف تحول بكلامه إلى العاطفة الدينية، حيث فيها يمكن إقناع المؤمن بما لا يمكن إقناعه في غيرها، فنظر إلى بانوس وقال: يبدو أنك لم تقتنع من وجوب التضحية لأجل أن يعيش البقية بسلام وأمان وخلاصهم من الظلم، لكن ألم يبذل المسيح نفسه ويصلب من أجل خطايانا! ألم تقرأ ما جاء في رسالة بولس إلى تيتس: «الذي بذل نفسه لأجلنا، لكي يفدينا من كل إثم، ويطهر لنفسه شعبا خاصا غيورا في أعمال حسنة.» فما قيمة تضحية هؤلاء وبذل أنفسهم من أجل إخوانهم أمام بذل المسيح نفسه! إنه لشرف عظيم لهم أن يكونوا شهداء هذه القضية وسيخلد التاريخ ذكرهم بأنهم كانوا سببا رئيسيا في إقامة دولة أرمينيا، نعم لم يحدد أسماءهم، لكنهم سيبقون في ذاكرة الشعب بأسماء المذابح التي راحوا ضحيتها .. ثم سكت وبدا على وجهه التأثر، وكادت عيناه أن تدمعا، تأثر بانوس أيضا وحرك رأسه مؤيدا لكلامه وهو يمسح دموعه بكم ردائه. •••
على وجبة الغداء عاد النقاش مرة أخرى، حول ما جرى في الدرس وخصوصا في نهايته، فقال غريغور: إن كلامه كان مقنعا بالنسبة لي قبل أن يذكر المثال، لكن بعدها أصبحت أكثر إيمانا وقناعة بالحزب وأفكاره. - وأنت، ماذا عنك يا بانوس؟ لقد رأيتك تمسح دموعك بعدما ذكر المثال.
وضع بانوس الملعقة من يده وحدق في عيني أرتين: لم تدمع عيناي على موقف المسيح بقدر ما دمعت عيناي لحالنا وما الذي وصلنا إليه حتى أصبحنا نضحي من أجل البقاء بأغلى ما نملك، ولماذا نحن في كل مرة! ما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ الذين يقتلون في مدننا خلال سنين وعقود خلت، نعم أنا اقتنعت أن الحزب يريد خلاص الشعب من هذا الظلم بالفداء وبذل الجزء من أجل الكل، لكن قناعتي قناعة مؤلمة وجارحة في نفس الوقت. - ماذا نفعل يا بانوس، لا بد من أن نتحمل ونصبر حتى بلوغ الغاية، ونذكر أنفسنا بوعد الرب: «لأنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد، لأنه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ.» وسيأتي اليوم الذي يكون فيه خلاصنا منهم؛ لأن الرب معنا ويرى ما نحن فيه من ظلم وضياع وهلاك.
الفصل الرابع عشر
القدس - فلسطين 1944م
عند حائط المبكى جلب انتباه حسن أحد اليهود وهو يهز نصف جسده بشكل متناسق مستقبلا الحائط واضعا على رأسه طاقية صغيرة تغطي جزءا من رأسه، تشبه كثيرا الطاقية التي يضعها بعض المسلمين على رءوسهم عند الصلاة، لكن بحجم أكبر مما عند اليهود، وتغطي الرأس كله وكأنها دلالة أن الإسلام مكمل لليهودية ومغط لما نقص منها، أو أن اليهودية ديانة محصورة في دائرة صغيرة، والإسلام ديانة للناس أجمع.
نامعلوم صفحہ