وفيما هي في المطبخ لاح لها أن تتسلل إلى البيت المجاور الملاصق لبيت أدما لتناديها وتأتي بها لتفاجئها بمقابلة حبيب، وسرعان ما نفذت هذه الفكرة. •••
عادت شفيقة إلى منزل سلمى ومعها أدما، ثم دخلت بها فورا غرفة سلمى وهي تضحك مقدما مما تصورته من موقف شقيقها وخطيبته خلال لقائهما المفاجئ الذي دبرته. وكان حبيب قد أخرج خطاب سليم إليه وتلاه على سلمى فلم تتمالك عواطفها وانفجرت باكية، وتأثر هو ببكائها فبكى بدوره وأخذ يهمس في أذنها بعبارات التعزية والتشجيع. فما وقعت عليهما عينا أدما وهما في هذه الحال حتى بغتت، وخيل لها أن حبيبا ما زال عالقا بسلمى كما رجحت ذلك من قبل، وأن سعي والدته في خطبتها له لم يكن بإرادته وعلمه، فأخذها الغضب، ووقفت ترتجف من الغيظ، ثم حاولت التجلد وحيت سلمى مستفسرة عن صحتها، وهنا نهض حبيب واقترب منها بعد أن أفاق من ذهول المفاجأة، ومد يده لتحيتها فترددت في مد يدها إليه، ثم صافحته في برود من غير أن تنظر إليه أو ترد عليه كلامه. وما لبثت أن غادرت الغرفة مسرعة نافرة، فانطلقت شفيقة في أثرها وهي تضحك، وذهنها خال من حقيقة ما يعتلج في قلب أدما، فلما رأتها تغادر المنزل فورا عائدة إلى منزلها، أخذت تناديها مستوقفة إياها، ولكن أدما لم ترد عليها ومضت في سبيلها لا تلوي على شيء وقد أخذت الغيرة منها كل مأخذ. «فلما وجدته جالسا بجانب سرير سلمى أخذها الغضب، ووقفت ترتجف من الغيظ.»
فعادت شفيقة إلى غرفة سلمى مندهشة من تصرف أدما، فأخذ حبيب يعنفها ويتهمها بالغباء والجهل وانعدام الذوق لإدخالها أدما بغير استئذان، ولما علم منها أن أدما انصرفت غاضبة، وعادت إلى منزلها فورا، اشتد غضبه وسألها عما جعل أدما تنصرف هكذا، فقالت: «لعلها غضبت من برود استقبالك لها.»
فلم يملك نفسه وصاح بها قائلا: «اغربي من وجهي عليك اللعنة، ألم أقل لك إنك بلهاء لا تفهمين شيئا ولا تحسنين صنعا قط؟!»
فخرجت دامعة العينين، وقلبها يكاد ينفطر غما وحسرة. ثم لاح لها أن تلحق بأدما في منزلها لتقف على سر غضبها، فما كادت تصل إلى المنزل حتى وجدتها قد خلت إلى نفسها في غرفتها وراحت تبكي بصوت مرتفع، وأمها في شغل عنها ببعض أعمال المنزل، فدخلت عليها وقالت لها: «شكرا لك يا أدما، أعلمت أن حبيبا وبخني وأهانني لأنك دخلت عليه دون استئذان؟»
فردت عليها غاضبة وقالت: «وهل هذا ذنبي؟ إنما الذنب عليك أنت التي أدخلتني عليهما وهما في خلوة يبكيان ويتشاكيان.»
فغضبت شفيقة بدورها لهذا الاتهام الذي لم تكن تتوقعه وقالت: «أية خلوة تعنين؟ وأي بكاء؟ أتغارين على حبيب إلى هذا الحد؟ أين عقلك يا عزيزتي؟»
فصاحت أدما قائلة بلهجة التهكم والاستخفاف: «إنني مجنونة لا عقل لي يا سيدتي، ولهذا لا أراني أصلح لمعاشرة أمثالكم من العقلاء!»
فوجمت شفيقة، وكفت عما كانت فيه من البكاء منذ طردها شقيقها من غرفة سلمى، وأخذت تجاهد نفسها لتنسى ما شعرت به من الإهانة. لكنها ما لبثت أن سمعت أدما تستأنف كلامها قائلة: «أكان من العقل يا سيدتي أن أفاجئ الشاب الذي خطبني يتناجى مع فتاة أخرى في غرفة مغلقة ليس فيها معهما أحد، وهما يبكيان ويتشاكيان، ثم إذا وجدته قد أذهلته المفاجأة وارتبك ولم يدر كيف يخفي الورقة التي كان يتلوها على فتاته المفضلة، تقدمت فركعت بين يديه، وقبلت قدميه متذللة مستعطفة كي يغفر لي ما ارتكبته من جرم فظيع بتعكير صفو تلك الخلوة الجميلة؟ لا، لا يا سيدتي إنني لا أقبل أبدا مثل هذا الوضع، ولا يمكن أن أضحي بكرامتي وأرضى لنفسي مثل هذا الخطيب ولو كان أجمل من يوسف وأغنى من قارون.»
وهنا لم تعد شفيقة تملك أعصابها فقابلت ثورة أدما بمثلها وصاحت بها قائلة: «كفاك سخرية وتهكما يا سيدتي، إننا ما زلنا على البر، ولم تعقد خطبتك لأخي بعد، وما دمت لا ترينه أهلا لك فأنت حرة، ولك أن تختاري من هو كفؤ لك وأجدر منه بحبك واحترامك.»
نامعلوم صفحہ