فقال حبيب وقد كادت ظلمة العبوسة تنقشع عن وجهه: «لقد قضت الظروف بأن ألتحق بخدمة الحكومة المصرية كما تعلم، وهي خدمة ما كان أسعدها لو لم يكن من أمرها ما هو جار الآن من استغناء الحكومة عن كثير من موظفيها، اقتصادا في النفقات. ولم يكن يخطر ببالي يوم انتظمت في سلك الوظيفة أن يكون هذا مصيرها، وقد قضيت خمس سنوات أعمل بهمة ونشاط حتى كانت الثورة العرابية فهاجرت من هذه الديار ومعي والدتي وشقيقتي، فتكبدنا مشاق الأسفار، وأنفقت ما كنت قد ادخرته من راتبي الشهري، وحينما عدت في أوائل السنة الماضية لم أكن أملك قرشا واحدا ولكني استطعت العودة إلى منصبي الحكومي، وبدأ حالنا يتحسن وكدنا ننسى تلك المشقات والأسفار، لولا أن داهمني القدر بما لم يكن في الحسبان.» قال ذلك وتأوه.
فتطاول سليم بعنقه إليه في اهتمام وسأله أن يكاشفه بحقيقة الأمر.
فقال حبيب: «علمت من ثقة أن الحكومة ما زالت معتزمة الاستغناء عن بعض الموظفين، وقد أخبرني أحد الأصدقاء بأن هذا الاستغناء سيشملني، ولا يخفى عليك أن بيتي مفتوح وجيبي خال للأسباب التي قدمتها.»
فقال سليم: «من الذي أنبأك بذلك؟»
قال: «أنبأني به صديقنا حسان.»
فهز حبيب رأسه مستهزئا وقال: «ومن أخبره بذلك؟ إن الأمر لعلى عكس هذا.»
قال: «لقد أكد لي أن الخبر صحيح لا ريب فيه.»
قال: «ثق بأنه خبر عار من الصحة بل هو عكس الواقع تماما.»
فأبرقت أسرة حبيب ونظر إلى سليم بعين المستطلع وقال: «وكيف ذلك؟ لعلك تمزح!»
قال: «كلا لست مازحا، وليس ما بلغك إلا محض اختلاق، وما أخبرك به صاحبنا إلا لغرض لنفسه أنت تعلمه، والحقيقة أنك ستنال مركزا أحسن مما أنت فيه و...»
نامعلوم صفحہ