فأهنتني وقذفتني من حالق؟
لست الملوم، أنا الملوم لأنني
أنزلت آمالي بغير الخالق!
قرأت خطابك الأخير أكثر من عشرين مرة، لعلي أستطيع أن أهتدي إلى تعليل معقول لما تضمنه من تهم خطيرة وأدلة ومستندات ملفقة، ولكني لم أجد سببا يمكن الركون إليه إلا أنك رغم ذكائك تورطت في تصديق بعض الحساد وذوي الأغراض.
وقد حاولت أكثر من مرة أن أرجع تلك الاتهامات الباطلة إلى رغبتك في التخلص مني لحاجة أخرى في نفسك، ولكني تذكرت أني صرحت لك في خطابي الأخير بأني وإن كنت لم أحب ولن أحب سواك، لا يسعني إلا أن أضحي بسعادتي كلها مادامت تتعارض مع ما يجب عليك لوالدتك الحنون من طاعة وبر وإحسان، فأحللتك من عهودك لتكون حرا تخطب وتتزوج ممن ترضى عنها والدتك. فهل جزاء من تقدم على مثل تلك التضحية أن تتهمها بالخيانة والغدر والنفاق؟
وليت شعري كيف رضيت لنفسك، وأنت رجل صناعتك المحاماة وتمييز الحق من الباطل، أن تعدل عما كنت تعتقده في من الطهر والإخلاص، ثم ترميني بشر ما ترمى به فتاة، لا لشيء إلا أن رجلا لا تعرفه زعم لك أني أوقعته في حبي ثم اكتشف أني عالقة القلب بصديق لك كنت تنزله منزل الأخ الشقيق؟
وأخيرا، ما هذه الورقة التي ذكرت أنها وقعت في يدك اتفاقا، فكانت صك خيانتي ودليل مكري وخداعي وتضليلي؟ إنني لا أريد أن أصدق أبدا أنك عنيت ما قلت عن هذه الورقة ولا عن ذلك الصديق، فأنا لم أكتب هذه الورقة ولا علم لي بشيء مما فيها، بل أنا لم أكتب طوال حياتي أي خطاب لرجل سواك. وقد عرضت جميع أصدقائك الذين أعرفهم فلم أجد بينهم أحدا يمكن أن يصدق فيه ذلك الاتهام!
وأخيرا، قدر لي أن أقف على حقيقة كنت أجهلها وهي أنك اعتزمت خطبة فتاة من أهل الإسكندرية، وصدقني يا سليم إنني لم أحقد على هذه الفتاة قط، بل على عكس ذلك دعوت الله أن يبارك لها فيك ويبارك لك فيها لتعيشا سعيدين بمنجاة من متاعب الوشاة والحساد. وليس هذا لأني لم أتيقن بعد من أنك رميتني بتلك التهم الكاذبة وأنت على يقين من كذبها؛ ولكن لأني رغم ذلك كله ما زلت أرى قلبي أطهر وأنبل من أن ينبذ حب أول من طرق بابه وتربع فيه.
ومهما يكن من أمر، فلا تحسب أني أكتب إليك هذا الخطاب طامعة في أن تعود إلى ما كنا فيه، أو لأحملك على الندم والأسف لمقابلة تضحيتي وإخلاصي بالجحود والنكران وتلفيق التهم والأباطيل؛ ذلك لأني وطدت العزم على اعتزال العالم، وقضاء ما بقي لي من العمر في دير أو صومعة أتعبد فيها لخالقي وهو الخبير بما تكن الجوانح والصدور، وإليه ترجع الأمور.
سلمى
نامعلوم صفحہ