وبعد الغداء، أوى الجميع إلى الفراش للقيلولة، وحاولت إميلي وأمها إبعاد والدة سليم من غرفته إلى غرفة نومها، على أن تتسلل إميلي خلال ذلك إلى غرفته، ولكنها لم تغادر غرفته إلا بعد أن رأته يتثاءب والنوم يداعب جفنيه. وما كادت تخرج حتى نهض من سريره وأغلق باب الغرفة من الداخل ثم عاد إلى السرير واضطجع فيه، ثم أطلق لنفسه عنان التفكير في أمره، وقد شعر بأن إعجابه بإميلي ليس إعجابا عاديا، ولكنه أقرب ما يكون إلى الحب أو الشروع فيه.
وفيما هو كذلك سمع طرقا خفيفا على باب الغرفة، فنهض وفتح الباب فإذا بإميلي هي الطارقة وبادرته قائلة في دلال: «عفوا يا عزيزي، إذا كان في وجودي هنا الآن ما يثقل عليك.»
فتلجلج ولم يدر كيف يجيب، ولاحظت هي من نظراته ثم إطراقه وسكوته ما بشرها بنجاح الخطوات الأولى من تدبيرها المشترك مع والدتها. فأرادت انتهاز هذه الفرصة لإتمام الخطوة الباقية ودخلت الغرفة متظاهرة بتبديل أغطية السرير بنفسها دلالة على شدة عنايتها براحته، لكنها ما كادت تنتهي من ذلك وتهم بالجلوس على أقرب مقعد من السرير، حتى جاء أحد الخدم، وقدم مجموعة من الخطابات ذاكرا أنها جاءت في بريد الصباح، وفاته أن يأتي بها إليه حينذاك.
فصل الخطاب
أخذ سليم يقلب ظروف الخطابات الواردة إليه، فوقعت عينه على ظرف من بينها عرف لأول وهلة أنه بخط سلمى، فبغت وخفق قلبه. لكنه تجلد حتى لا تلاحظ إميلي تأثره واضطرابه، ثم تظاهر بحاجته إلى النوم، ووضع الخطابات كلها دون أن يفضها على المنضدة التي بجانب السرير، فانطلت حيلته على إميلي، ونهضت للانصراف وانتظار فرصة أصلح لاستئناف حديثها معه على حدة.
ورأى هو أن يطيب خاطرها بكلمة تنم عن مبادلتها مثل شعورها نحوه فقال لها: «يلوح لي أني سأكون في المساء أشد حاجة إلى يدك اللطيفة يا عزيزتي.»
فخفق قلبها ونظرت إليه لترى ماذا يقصد بهذه العبارة، فإذا به يبتسم وينظر إليها بطرف عينه كأنه يعجب من أنها لم تفهم مراده، ثم قال لها: «سأحاول بعد النوم قليلا أن أقرأ هذه الخطابات التي جاءتني من القاهرة، ولا شك في أن الرد عليها بخط يدك سيكون أسرع وأبدع، ولا سيما أن يدي ما زالت ضعيفة من أثر المرض. فما قولك؟»
فابتسمت وقالت: «إني رهن إشارتك، ويسعدني جدا أن أتولى عنك هذه المهمة.» ثم استأذنت وانصرفت إلى حيث انضمت إلى والدتها ووالدته في الغرفة المجاورة وجلسن يقطعن الوقت بالحديث متهامسات، مبالغة في توفير الهدوء والراحة لسليم.
وما خلا إلى نفسه في غرفته حتى سارع إلى مجموعة الخطابات الواردة إليه، وفض الخطاب الذي كتب طرفه بخط سلمى، فإذا هو بخطها من الداخل أيضا، وقد كتبت فيه تقول:
أبعين مفتقر إليه نظرتني
نامعلوم صفحہ