وسكتت هنيهة مفكرة ثم قالت: «لقد ذهب فؤاد وقرينته للغداء عند أسرتها. ولا شك في أنه سيتأثر كثيرا حين يعلم بحضورك وسفرك دون مقابلته، ولكن يكفي أن تترك له ورقة تنبئه فيها بحالة سليم وبأننا عجلنا بالسفر للاطمئنان على صحته.»
فقال حبيب: «إنني سعيد جدا باعتزامك السفر معي لرؤية سليم؛ لأن هذا سيعجل شفاءه ويرد إليه مرحه وسعادته. وسنستقل قطار الليل إلى القاهرة بإذن الله. وإلى أن يحين موعد السفر أكون قد أنجزت بعض المهام في المدينة وعدت إلى هنا لمقابلة أخي فؤاد ثم اصطحابك إلى القاهرة.»
ثم نهض وقبل يدها مكررا تأكيده أن صحة سليم لا تدعو إلى أي قلق، وخرج مشيعا بدعواتها الطيبات.
ولما عاد بعد حوالي ساعتين كان فؤاد قد عاد إلى المنزل فتعانقا وتبادلا التحيات. ثم جلسا يتحدثان في شأن سليم وغير ذلك حتى حان موعد العشاء، فتناولوه جميعا، ثم أعدت والدة سليم حقائبها للسفر مع حبيب، واستقلا عربة من المنزل حتى المحطة مودعين من فؤاد وقرينته ووردة بأطيب التمنيات.
وعلم حبيب من والدة سليم وهما في القطار أن وردة أظهرت جزعا شديدا حين أنبأتها بمرض سليم واعتزامها السفر إلى القاهرة لرؤيته والاطمئنان عليه. وطلبت إليها أن تخفي نبأ مرضه على ابنتها إميلي زاعمة أنها ربما تموت حزنا وغما إذا علمت بذلك.
من سليم إلى سلمى
بقيت سلمى معتكفة في فراشها وهي تغالب تأثرها الشديد، وتفكر فيما يكون من أمر سليم بعد أن يطلع على خطابها. وقد اشتد ندمها على كتابتها هذا الخطاب، وشعرت بأنها أخطأت في حق سليم، وكان عليها أن تتأنى ولا تنساق مع عواطفها المهتاجة فتقضي بجرة قلم على علاقتها بعد أن توطدت وارتبط قلباهما.
وكانت تتوقع أن يأتي سليم لمقابلتها على أثر اطلاعه على خطابها، فبقيت حتى عصر ذلك اليوم وهي كلما سمعت طرقا على باب المنزل حسبت أنه هو القادم، فيشتد خفقان قلبها وتضطرب أعصابها. فإذا تبينت أن القادم غيره عاودها اليأس ولاح لها أنها فقدت حبيبها إلى الأبد، فيزداد جزعها وندمها على كتابة ذلك الخطاب إليه.
ولم تكن تستطيع أن تفرج عن نفسها بالبكاء؛ لأن أبويها كانا يلازمان غرفتها، ولا يتركانها إلا فترات يسيرة لمقابلة زائر أو إنجاز عمل في المنزل. كما أن سعيدة الخادمة الماكرة العجوز حرصت على أن تبقى قابعة بالقرب من سريرها، متظاهرة بشدة جزعها وتفانيها في خدمتها وتلبية مطالبها.
وكان أبواها يتوقعان أيضا أن يجيء سليم كعادته عند الأصيل، فلما ولى النهار دون أن يجيء، قلقا عليه، لكنهما لم يذكرا ذلك لسلمى مخافة أن يزيد هذا في توعكها وضعفها، وهما لا يعلمان شيئا من أمر خطابها إليه وخطاب والدته الذي وقع في يدها. كما أنهم جميعا لم يعلموا بأمر مرضه وملازمته الفراش؛ لأن حبيبا حين زارهم عصر ذلك اليوم لم يشأ أن يخبرهم بذلك، لما علمه من أمر مرض سلمى، وخشيته أن يزيدهم قلقا وانشغالا، فخرج من هناك مكتفيا بأن تمنى لسلمى عاجل الشفاء، ومضى إلى منزله في حلوان حيث أنبأ أمه بمرض سليم واتفقا على نقله إلى منزلهم للعناية به.
نامعلوم صفحہ