ثم غادر الفندق على أثر ذلك، وتوجه إلى أقرب طبيب من هناك ودعاه إلى مرافقته لفحص سليم وعلاجه، وفي طريقهما إلى الفندق طلب إليه حبيب أن ينصح لسليم بتبديل الهواء في حلوان، ليقيم بمنزله هناك لأنه غريب عن القاهرة، فوعده الطبيب بذلك، وبعد أن فحص سليما قال له: «لا خوف عليك من هذه الحمى، ويكفي لشفائك منها أن تلتزم الراحة وتبدل الهواء بالإقامة في مكان جوه جاف، ومع هذا سأصف لك دواء يعاونك تناوله على سرعة الشفاء.»
فسأله سليم: «هل ترى أن لا بد من تبديل الهواء والانتقال من هنا؟»
فقال الطبيب: «نعم لا بد من ذلك، ويحسن أن تقصد حلوان لجودة هوائها وهدوئها، على أن يكون انتقالك إليها بعد زوال نوبة الحمى.»
فسكت سليم موافقا وهو يقول لنفسه: «لا بأس بإقامتي أياما بمنزل حبيب في حلوان، فلعلي أستطيع هناك الوقوف على شيء يكشف لي حقيقة علاقته بسلمى، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.»
وبقي حبيب ووالدته مع سليم في غرفته حتى انقشعت عنه نوبة الحمى، ثم ساعده حبيب في ارتداء ثيابه، وبعث في طلب عربة مغلقة لنقله فيها إلى المحطة لركوب القطار منها إلى حلوان. وما زال هو ووالدته يتعاونان على خدمته والمحافظة عليه من البرد حتى وصلوا إلى المنزل، وخصصوا لإقامته أحسن غرفة فيه. وتنافس حبيب ووالدته وشقيقته في الترحيب به وتعهده بالغذاء والدواء والغطاء، حتى داعب النوم جفنيه وما لبث أن غط في نوم عميق، ولم يستيقظ إلا في الصباح، وقد شعر بأنه استرد بعض قواه وتحسنت حالته. •••
أمضى حبيب ليلته مسهدا يفكر في أمر صديقه سليم بعد أن اطمأن عليه وتركه نائما، وهداه تفكيره إلى أن يسافر بنفسه إلى الإسكندرية فيقابل والدة سليم ويشرح لها أمره، فلا بد أن قلبها سيرق لفلذة كبدها حين تعلم بأنه مريض. وقد يكون غضبها وإنكارها عليه خطبة سلمى تأثرا بوشاية بعض الحساد، فيسهل إقناعها بالعدول عن رأيها وتحقيق رغبة سليم؛ وبذلك يكون قد أدى له خدمة جليلة.
ثم تذكر حبيب أن اليوم التالي يوم جمعة، فاغتبط كثيرا لأن خلوه من العمل في هذا اليوم مما يسهل أمر سفره إلى الإسكندرية.
وفي صباح اليوم التالي، خلا إلى والدته وأنباها بما اعتزمه من أمر السفر والغرض منه، وأوصاها بأن تكتم ذلك عن سليم كل الكتمان، ثم صحبها لرؤيته في غرفته فوجداه مضطجعا في سريره وعليه دلائل البشر والعافية؛ فاغتبطا بذلك وجلسا بالقرب منه يلاطفانه ويسليانه بمختلف الأحاديث.
وبعد قليل، نهض حبيب وغادر الغرفة مشيرا لأمه بطرف عينيه أنه مسافر في المهمة التي اتفقا عليها، فلحقت به وودعته داعية له بالسلامة والتوفيق. ثم عادت إلى سليم في غرفته، ولحقت بها ابنتها شفيقة، وجلستا تجاذبانه الحديث وتقدمان له ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والدواء.
ومضت ساعة وسليم يبدو باسم الثغر منشرح الصدر، ثم تجهم وجهه فجأة وظهرت عليه دلائل الانقباض الشديد؛ إذ تذكر خطاب والدته وحكاية داود عن سلمى وحبيب. على أنه ما لبث أن تجلد وتكلف الابتسام حتى لا ينكشف أمره أمام مضيفتيه، ثم تظاهر بالتلفت حوله وسأل: «أين حبيب؟»
نامعلوم صفحہ