جزيرة رودس: جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجه
جزيرة رودس: جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجه
اصناف
ومن الحوادث الغريبة التي حدثت في أيامهم، ما رواه المؤرخون عن الحيوان الهائل الذي ظهر في الجزيرة، وهو أنه في عهد الرئيس «هليون دي فيلنوف» الذي تولى الرئاسة من سنة 1319 إلى سنة 1346م وجد في الجزيرة وحش مفترس شديد الأذى، وكان يأوي غيضة في سفح جبل سان أتيان القريب من المدينة،
1
وكان إذا خيم الظلام يخرج من وجاره ويكمن في مكان قريب منه، حتى إذا رأى حيوانا أو إنسانا أسرع إليه وافترسه، وكانت تنبعث من مأواه رائحة كريهة وتنتشر في الأنحاء المجاورة، فبات أهل المدينة في رعب ووجل، وامتنعوا عن الخروج من مساكنهم بعد الغروب، وقد هم كثير من الفرسان بقتل هذا الوحش، فعاد بعضهم بالخيبة والبعض ذهب فريسته، فنهاهم الرئيس عن مهاجمته خوفا عليهم من غائلته، وقضى بعقاب من خالف نهيه، بيد أن أحد الفرسان واسمه «ديودونيه دي جوزون» وكان مشهورا بالشجاعة والإقدام، صمم على قتله، فرقبه عن كثب عدة ليال حتى رآه وصنع تمثالا من خشب على صورته، وأضرى كلبين من كلاب الصيد على مهاجمة التمثال، ثم قصد الغيضة ليلا ومعه اثنان من خدامه والكلبان، ولما كان غير بعيد منها أمر الخادمين بأن يتواريا في أجمة هناك، ويرقبا ما يكون من أمره مع الوحش، فإن افترسه عادا أدراجهما، وإن رأيا أنه استظهر عليه خفا إلى نجدته، ثم قصد الغيضة يتبعه الكلبان، ولما رآه الوحش خرج إليه فاغرا فاه فطعنه برمحه، فانكسر الرمح لغلظ جلده وصلابته، فأخذ الكلبان يناوشانه وينهشانه، فانتهز الفارس هذه الفرصة ونزل عن جواده وطعنه بالسيف في عنقه فنفذ فيه، وما زال يطعنه حتى سال دمه، وخارت قواه، فحضر الرجلان وأجهزا عليه برمحيهما، ووجدا الفارس مغشيا عليه من شدة المجاهدة والرعب، ولما علم بذلك أهل الجزيرة فرحوا، واطمأنت قلوبهم، أما الرئيس فلم يجد مندوحة من عقاب الفارس لمخالفته الأمر، كما يقضي بذلك القانون، فسجنه وبعد أيام عفا عنه وأثنى عليه. وقد وصف المؤرخون هذا الحيوان بأنه نوع من التماسيح كبير الجثة جدا واسع الفم، بأنياب كأسنة الرماح، وله أربع أرجل ذات براثن حادة، غائر العينين براقهما، وجلده غليظ مغشى بحراشف صلبة لا يعمل الحديد فيها، وطوله مع ذنبه نحو 20 قدما. وليس في هذا الحادث ما يبعث على الريب في صحته؛ فقد اشتهرت رودس قديما بكثرة الحيات ونحوها من الدواب الخبيثة، حتى سميت «أفيوزا» أي جزيرة الحيات، وقد تلاشت هذه الدواب بمر الزمان وانتشار العمران، فلا يبعد أن يكون هذا الحيوان من بقايا تلك الدواب، فإنه ظهر في سنة 1342م أي من نحو ستة قرون، وكانت الجزيرة وقتئذ قفرا موحشا، ويحتمل أن هذا التمساح كان في النيل فاكتسحه التيار في زمن الفيضان ولم يعترضه شيء، فوصل إلى البحر وما زال عائما حتى ألقت به الأمواج على ساحل الجزيرة، أو يكون قد تسرب وهو صغير في إحدى السفن التجارية الراسية في بعض الموانئ المصرية، واختفى فيها ثم أتت به إلى رودس، فخرج وآوى إلى تلك الغيضة وعاش فيها حتى كبر، وبلغ هذا الحجم الهائل. وعلى أي حال فلا غرابة في وجود مثل هذا الحيوان في الجزيرة، ولعل في ما ذكره المؤرخون من صفاته تهويل أملاه عليهم ما كان له من الروعة في النفوس لشدة بطشه.
هذه هي أشهر الحوادث التي وقعت في عصر أولئك الفرسان، أما ما شادوه من الحصون المنيعة والقصور الفاخرة، فهي باقية إلى الآن تشهد بما كان لهم من السؤدد وعظيم الشأن، وأشهرها حصن سان نيقولا،
2
بناه الرئيس زاكوستا الثالث عشر من رؤسائهم سنة 1464م وهو في مدخل مينا مندراكي من جهة الشرق، عدا ما شادوه من الأبراج الشاهقة والقلاع والقصور في ضواحي المدينة وفي القرى، مثل تريانده وفيلانوفا وكاستلوس وكاتافيا ولندوس وأركنجلوس وسوروني وفانزومونوليتوس، وسيأتي الكلام على أشهر هذه الآثار. ومن أبدع وأفخم مبانيهم كنيسة القديس يوحنا التي تقدم ذكرها، وروى المؤرخون أن هذه الكنيسة أقيمت على أنقاض معبد يوناني قديم في عصر «فلك دي فيلاريه» أول من تولى الحكم على الجزيرة، وتم بناؤها في عهد خلفه الرئيس «دي فيلنوف» وكان طولها 46 مترا وعرضها 16 مترا، وكان فيها كثير من النفائس والذخائر والآنية الثمينة.
وقد توالت أحكام الفرسان على رودس إلى أن افتتحها السلطان سليمان القانوني في سنة 1522 بعد حصار دام نحو خمسة أشهر، وهو أهم ما وقع في هذه الجزيرة من الحوادث، بل هو أعظم حصار ورد ذكره في التاريخ؛ لما وقع فيه من المعارك الهائلة، وسيأتي ذكره فيما يلي. وتولى الرياسة على الجزيرة 19 من أولئك الفرسان ومدة حكمهم 212 سنة، وهاك جدولا بأسمائهم ومدة حكم كل منهم وشارته الرسمية «الأمرة».
اسم الرئيس
مدة حكمه
شارته (1) فلك دي فيلاريه
نامعلوم صفحہ