وعادت المينة تكرر قولها: الآن، وفي هذا المكان أيها القوم. الآن ... - اسكت!
ثم ساد الصمت.
وقال ويل: كان لا بد لي أن أسكته لأنه طبعا كان على صواب مطلق. هنا يا قوم، والآن يا قوم. أما هناك وآنذاك فلا محل لهما. أليس كذلك؟ وماذا عن موت زوجك مثلا؟ هل هذا أمر لا محل له؟
وحدقت فيه سوزيلا لحظة في صمت، ثم هزت رأسها في بطء شديد وقالت: في إطار ما علي أن أفعله الآن؛ نعم الأمر لا محل له بتاتا. وهذا شيء كان لا بد لي أن أتعلمه. - وهل يتعلم المرء كيف ينسى ؟ - ليس الأمر أمر نسيان. ما على المرء أن يتعلمه هو كيف يذكر ويبقى مع ذلك متحررا من الماضي. كيف يكون هناك مع الموتى ومع ذلك يبقى هنا في مكانه مع الأحياء. وابتسمت له ابتسامة حزينة يسيرة وأضافت قولها: ليس الأمر هينا.
وكرر هذه العبارة ويل وقال: نعم ليس الأمر هينا. وفجأة فقد كل حصانته وزال عنه كبرياؤه وقال لها: هل تعينيني؟
قالت وقد مدت يدها إليه: هذا اتفاق بيننا. وسمع وقع أقدام دفعهما إلى الالتفات. وإذا بالدكتور ماك فيل يدخل الغرفة.
الفصل الثامن
- مساء الخير يا عزيزتي. مساء الخير يا مستر فارنبي.
قالها بنغمة تنم عن السرور، ولم يكن سرورا مفتعلا، ولكنه طبيعي وصادق كما بدا لسوزيلا لأول وهلة. ومع ذلك فلا بد أن يكون قبل قدومه إلى هنا قد توقف عند المستشفى، ولا بد أن يكون قد قام بزيارة للاكشمي؛ لأن سوزيلا نفسها قد رأتها منذ ساعة أو ساعتين أكثر هزالا من أي وقت سلف. وقد برزت عظامها وتغير لونها. نصف حياة طويلة من الحب والإخلاص والتسامح المتبادل؛ وبعد يوم أو يومين ينتهي كل شيء، ويمسي وحيدا. ولكن يكفي اليوم ما به من شر، كما يكفي المكان ويكفي الإنسان ما ناله من شر. وكان حموها قد قال لها ذات يوم وهما يغادران المستشفى معا: ليس من حق الإنسان أن يخلع حزنه على الآخرين. وليس من حقه بطبيعة الحال أن يزعم أنه ليس حزينا. على المرء أن يقبل مآسيه ومحاولاته العابثة أن يكون رواقيا، وأن يقبل، ويقبل ... ثم خانه صوته، ورفعت بصرها إليه وإذا بوجهه تسيل فوقه الدموع، وبعد خمس دقائق كانا جالسين على مقعد على حافة بركة اللوتس في ظل تمثال بوذا الصخري الضخم، وإذا بضفدعة غير مرئية تقفز من إفريزها المستدير المورق وتغطس في الماء محدثة صوتا مسموعا ومندفعة في شوق إلى الماء، وبرزت من الطين الأعواد الغليظة الخضراء ببراعمها المنتفخة وشقت الهواء، وشوهدت هنا وهناك رموز الاستنارة زرقاء أو وردية اللون تتفتح بتلاتها نحو الشمس ونحو زيارات التفقد التي يقوم بها الذباب والخنافس الصغيرة والنحل المتوحش منبعثة من الغابة. كما شوهد سرب من اليعاسيب الزرقاء والخضراء المتلألئة تندفع طائرة، ثم تتوقف أثناء الطيران، ثم تندفع مرة أخرى سعيا وراء اصطياد الذباب الصغير.
وفي صوت هامس قال الدكتور روبرت «تاثاتا» (صورة مثالية).
نامعلوم صفحہ