96

وأومأ ويل برأسه إيجابا وقال: تلك كانت هديته لمولي بمناسبة قرانها؛ وظيفة لي في صحف ألديهايد تقريبا بضعف المرتب الذي كنت أتقاضاه ممن كنت أعمل معهم من قبل، هدية سخيفة! ولكنه كان شديد الولع بمولي. - وماذا كان رد الفعل عنده بالنسبة لبابز؟ - لم يعلم عنها شيئا قط؛ ولم يعلم أن هناك سببا ما لحادثة مولي. - ومن ثم فهو يستمر في استخدامك من أجل زوجتك المتوفاة؟

هز ويل كتفيه وقال: المبرر هو أن أمي بحاجة إلى أن أعولها. - وبالطبع أنت لا ترضى عن فقرك؟ - طبعا لا أرضى.

ثم كانت فترة سكون.

وأخيرا قالت سوزيلا: لنعد إلى أفريقيا. - بعثوا بي إلى هناك لأكتب سلسلة عن وطنية الزنوج. ولست بحاجة إلى القول بأني قمت كذلك بعمليات احتيال صغيرة خاصة في شئون التجارة لصالح العم جو. وفي الطائرة وأنا في طريق العودة من نيروبي وجدت نفسي جالسا إلى جوارها. - إلى جوار الشابة التي أنت أشد ما تكون بغضا لها؟ نعم أشد ما أكون بغضا لها وأكثر ما أكون رفضا لها. ولكن إذا كان المرء مدمنا فلا بد له من جرعة من المخدر؛ وهي الجرعة التي تعلم سلفا أن فيها هلاكك.

وقالت وهي تفكر: هذا شيء عجيب، ونحن في بالا ليس لدينا مدمنون. - ليس لديكم مدمنون حتى في العلاقة الجنسية؟ - مدمنو الجنس هم كذلك مدمنو أشخاص، أو بعبارة أخرى هم محبون. - ولكن المحبين أحيانا يمقتون من يحبون. - هذا أمر طبيعي؛ فانا مثلا لي اسم واحد وأنف واحد وعينان لا يتغيران. ولكن ذلك لا يستتبع أني دائما نفس المرأة. والعلم بهذه الحقيقة والاستجابة لها بشكل معقول جانب من جوانب فن الحب.

وبأقصى ما يمكن من إيجاز روى لها ويل بقية القصة. وهي نفس القصة، بعدما ظهرت بابز في الصورة، كما حدث من قبل. نفس القصة مع الإمعان فيها؛ فبابز ليست إلا راشيل وقد ارتفعت إلى قوة أعظم، قل هي راشيل تربيع، أو راشيل أس ن. كما أن الشقاء الذي أحلقه بمولي بسبب بابز أكبر نسبيا مما كابدته من ألم بسبب راشيل، وكذلك كان سخطه، وإحساسه بالغضب من تهديدها له بحبها آلامها. وتأنبيه لضميره وإشفاقه، وتصميمه - على الرغم من تأنيب الضمير ومن الإشفاق - على أن يستمر في حصوله على ما يريد، وعلى ما كان يكره نفسه لرغبته فيه، وعلى ما رفض رفضا باتا أن يتخلى عنه؛ كل هذه المشاعر والأحاسيس كانت كذلك أقوى نسبيا في حالة بابز منها في حالة راشيل. وفي الوقت نفسه كانت بابز أشد إلحاحا، وتطلب منه مزيدا من الوقت؛ لا لينفقه فقط في الفجوة القرنفلية. ولكن خارجها كذلك، في المطاعم، والملاهي الليلية، وفي حفلات الكوكتيل الفظيعة التي تدعو إليها أصدقاؤها. وفي قضاء عطلات نهاية الأسبوع في الريف. كانت تقول له: سنكون أنا وأنت وحدنا يا حبيبي. معا في عزلة. معا في عزلة تهيئ له الفرصة لكي يسبر الأغوار السحيقة لتفاهة عقلها وسوقيتها. ولكن شهوته استبدت به على الرغم مما كان يحس من ملل وانحطاط في الذوق، ومن نفور خلقي وثقافي. وبعد إحدى عطلات نهاية الأسبوع هذه أمسى مدمنا لبابز كما كان من قبل بدرجة لا رجاء فيها. وبقيت مولي، من جانبها - من جانب موقفها كأخت رحيمة - على الرغم من كل شيء كذلك مدمنة لويل فارنبي بنفس الدرجة التي لا رجاء فيها. درجة لا رجاء فيها بالنسبة إليه؛ لأن رغبته الوحيدة هي أن تخفف من حبها وأن تسمح له أن يذهب إلى الجحيم في هدوء. أما فيما يتعلق بمولي فقد كان إدمانها دائما وبغير كبت مفعما بالأمل. فلم تكف قط عن توقعها لمعجزة تغير مجرى الأمور فتحوله إلى ويل فارنبي عطوفا، بعيدا عن الأنانية، محبا، وهو (على الرغم من كل الشواهد، وعلى الرغم من كل ما تكرر من خيبة الأمل) ما أصرت في عناد شديد على اعتباره نفسه الحقة. والواقع أنه لم يفصح عن عزمه على هجرها للعيش مع بابز إلا من خلال تلك المقابلة الأخيرة القاضية، عندما كبت إشفاقه وأرخى العنان لاستيائه من تهديدها له بإحساسها بالتعاسة؛ عندئذ فقط حل اليأس نهائيا محل الأمل. هل تعني ما تقول يا ويل؟ هل تعنيه حقا؟ نعم أعنيه حقا . وفي يأس مطلق سارت إلى العربة وانطلقت بها والمطر يهمي؛ نحو موتها. وفي موكب الجنازة وهم يوارونها التراب أخذ عهدا على نفسه ألا يرى بابز بعد ذلك. أبدا، أبدا لن يراها. وفي ذلك المساء، وهو منكب على مكتبه يكتب مقالا عنوانه «ماذا أصاب الشاب» محاولا ألا يتذكر المستشفى، والقبر المفتوح، ومسئوليته عن كل ما حدث، تنبه مذعورا عندما سمع رنينا قويا من جرس الباب. هذه رسالة عزاء متأخرة من غير شك ... وفتح الباب، وبدلا من البرقية ألفى بابز حزينة بغير زينة ومرتدية ثيابا سوداء. - عزيزي ويل! وجلسا على الأريكة في غرفة الجلوس، تربت شعره وكلاهما يبكي. - عندما يتقطب الجبين من الألم والكروب، تكونين لي كالملاك المعين. ولست بحاجة إلى القول بأنهما أويا إلى الفراش عاريين بعد ساعة من زمان. وبعد ذلك انتقل إلى جوارها في الفجوة القرنفلية. ولا يفوت أي غافل أن يدرك أن بابز في غضون ثلاثة أشهر بدأت تمله، وفي غضون أربعة أشهر ظهر في إحدى حفلات الكوكتيل رجل هائل وافدا من كينيا.

وتسلسلت الحوادث، وبعد ثلاثة أيام عادت بابز إلى بيتها تعد الفجوة لمستأجر جديد ولتنذر المستأجر القديم بالإخلاء. - هل تعنين ذلك فعلا يا بابز؟

نعم لقد عنت ذلك فعلا.

وسمعت بين الأشجار خارج النافذة خشخشة، وبعد برهة من الزمن بصوت مرتفع مزعج وفي موعد غير مرتقب صاح طائر ناطق يقول: الآن، وفي هذا المكان أيها القوم.

ورد عليه ويل صائحا: اسكت!

نامعلوم صفحہ