وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَتَفْرِيعُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ وَتَيَمَّمَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ أُبِيحَ لَهُ أَوْ بُذِلَ لَهُ الثَّوْبُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي فَصْلِ الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالسَّتْرِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ عَارِيَّةٌ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الثَّوْبِ هَلْ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا، وَإِنْ مَلَكَ ثَمَنَ الْمَاءِ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً وَيُكَلَّفُ شِرَاءَ الثَّوْبِ كَمَا يُكَلَّفُ شِرَاءَ الْمَاءِ وَتَفْرِيعُ قَوْلِهِمَا فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ إذَا شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ وَأَعْطَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَإِنْ مَنَعَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعِيدُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ فَصَلَّى ثُمَّ أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ فَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ فَمَنَعَهُ أَعَادَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعِيدُ، وَلَوْ رَأَى رَجُلًا مَعَهُ مَاءٌ فَلَمْ يَسْأَلْهُ فَصَلَّى ثُمَّ أَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَوْ سَأَلَهُ فَمَنَعَهُ فَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَأَعْطَاهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِثَمَنٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَقِيلَ الضِّعْفُ، وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ
[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) الْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِصَابَةُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رُخْصَةٍ مُقَدَّرَةٍ جُعِلَتْ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَعَقَّبَهُ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةُ مَسْحٍ أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ غَسْلٍ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ بِوَضْعِ اللَّهِ وَهَذَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَكَانَ التَّيَمُّمُ أَقْوَى أَوْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْكُلِّ وَهَذَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا بِالسُّنَّةِ لَا غَيْرُ، قَالَ ﵀ (الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) إنَّمَا قَالَ جَائِزٌ وَلَمْ يَقُلْ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَلَمْ يَقُلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ أَفْضَلَ ثُمَّ قَالَ بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَشْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِهِمَا، وَفِي قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْحَ ثُبُوتُهُ بِالْقُرْآنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ وَقَوْلُهُمْ هَذَا فَاسِدٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ
(قَوْلُهُ: إذَا لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ وَقْتَ اللُّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ بَقِيَّةَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يُصَادِفَ الْحَدَثُ طَهَارَةً كَامِلَةً.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا) لِقَوْلِهِ ﷺ «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»
(قَوْلُهُ: ابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ) يَعْنِي مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إلَى مِثْلِهِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِلَى مِثْلِهِ فِي الثَّلَاثِ لِلْمُسَافِرِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ) هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَلَوْ مَسَحَ بِرَاحَتِهِ جَازَ وَقَوْلُهُ خُطُوطًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ بِالتَّكْرَارِ يَنْعَدِمُ الْخُطُوطُ وَصُورَةُ الْمَسْحِ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدَّهُمَا جَمِيعًا إلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَيُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَأَمَّا الْمَفْرُوضُ فَمِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ سَوَاءٌ مَسَحَ بِالْأَصَابِعِ أَوْ خَاضَ
1 / 26